وَكَذَلِكَ شَرَعَ لَهُمُ السَّعْيَ فِي دَرْءِ مَفَاسِدَ فِي الدَّارَيْنِ أَوْ فِي إِحْدَاهُمَا تَجْمَعُ كُل قَاعِدَةٍ مِنْهَا عِلَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهَا مَا فِي اجْتِنَابِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، أَوْ مَصْلَحَةٌ تَرْبُو عَلَى الْمَفْسَدَةِ، وَكُل ذَلِكَ رَحْمَةً بِعِبَادِهِ، وَيُعَبِّرُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَا خَالَفَ الْقِيَاسَ، وَذَلِكَ جَارٍ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَاوَضَاتِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ. (١)
ثَانِيًا: الأَْخْذُ بِالأَْعْرَافِ وَالْعَادَاتِ:
٢٥ - قَدْ تَقْتَضِي مَصَالِحُ النَّاسِ وَحَوَائِجُهُمْ الأَْخْذَ بِالْعَادَاتِ وَالأَْعْرَافِ. لَكِنِ الْمَقْصُودُ هُوَ الْعُرْفُ الصَّحِيحُ، وَهُوَ مَا تَعَارَفَهُ النَّاسُ دُونَ أَنْ يُحَرِّمَ حَلاَلاً أَوْ يُحِل حَرَامًا. وَلِذَلِكَ يَقُول الْفُقَهَاءُ: الثَّابِتُ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ.
وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ، أَيْ مَعْمُولٌ بِهَا شَرْعًا. وَيَقُول الشَّاطِبِيُّ: الْعَوَائِدُ الْجَارِيَةُ ضَرُورِيَّةُ الاِعْتِبَارِ شَرْعًا، كَانَتْ شَرْعِيَّةً فِي أَصْلِهَا أَوْ غَيْرَ شَرْعِيَّةٍ، أَيْ سَوَاءً أَكَانَتْ مُقَرَّرَةً بِالدَّلِيل شَرْعًا - أَمْرًا أَوْ نَهْيًا أَوْ إِذْنًا - أَمْ لاَ، أَمَّا الْمُقَرَّرَةُ بِالدَّلِيل فَأَمْرُهَا ظَاهِرٌ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلاَ يَسْتَقِيمُ إِقَامَةُ التَّكْلِيفِ إِلاَّ بِذَلِكَ. ثُمَّ عَلَّل ذَلِكَ فَقَال: لأَِنَّ الشَّارِعَ بِاعْتِبَارِهِ الْمَصَالِحَ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ قَطْعًا لَزِمَ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنِ اعْتِبَارِهِ الْعَوَائِدَ؛ لأَِنَّ أَصْل
(١) قواعد الأحكام ٢ / ١٣٨ وما بعدها.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute