وَهَذِهِ إِحْدَى الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ، وَتُعَنْوَنُ عَادَةً بِعُنْوَانِ (الاِجْتِهَادُ لاَ يُنْقَضُ بِمِثْلِهِ) وَعِلَّتُهَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ لاَ يَسْتَقِرَّ حُكْمٌ، وَفِيهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَلَوْ نُقِضَ لَنُقِضَ النَّقْضُ أَيْضًا. وَلأَِنَّهُ لَيْسَ الثَّانِي بِأَقْوَى مِنَ الأَْوَّل. وَقَدْ تَرَجَّحَ الأَْوَّل بِاتِّصَال الْقَضَاءِ بِهِ، فَلاَ يُنْقَضُ بِمَا هُوَ دُونَهُ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إِجْمَاعِيَّةٌ. وَقَدْ حَكَمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَسَائِل، وَخَالَفَهُ فِيهَا بَعْدَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يَنْقُضْ حُكْمَهُ، وَحَكَمَ عُمَرُ فِي الْمُشْرِكَةِ بِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ، ثُمَّ حَكَمَ فِي وَاقِعَةٍ أُخْرَى بِالْمُشَارَكَةِ، وَقَال: تِلْكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا، وَهَذِهِ عَلَى مَا نَقْضِي. وَمِنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْقَاضِيَ لاَ يَنْقُضُ الْمَاضِيَ، وَأَمَّا فِي الْمُسْتَقْبَل فَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِمَا يُخَالِفُ مَا مَضَى. وَمِنْ شَرْطِ نَفَاذِ الْحُكْمِ فِي الْمَسَائِل الْخِلاَفِيَّةِ أَنْ يَكُونَ فِي حَادِثَةٍ وَدَعْوَى صَحِيحَةٍ وَإِلاَّ كَانَ فَتْوَى لاَ حُكْمًا. (١)
ارْتِفَاعُ الْخِلاَفِ بِتَصَرُّفِ الإِْمَامِ أَوْ نَائِبِهِ:
٢٩ - إِذَا تَصَرَّفَ الإِْمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بِمَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الاِجْتِهَادَاتُ طِبْقًا لأَِحَدِ الأَْقْوَال الْمُعْتَبَرَةِ، فَلاَ يَنْقُضُ مَا فَعَلَهُ كَذَلِكَ، وَيَصِيرُ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ (أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَا مَضَى. وَأَمَّا فِي الْمُسْتَقْبَل فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفًا مُغَايِرًا إِذَا تَغَيَّرَ وَجْهُ الْمَصْلَحَةِ فِي رَأْيِهِ) . وَقَدْ قَرَّرَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَطَاءَ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَمَّا جَاءَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
(١) الأشباه والنظائر للسيوطي ص١٠١، والأشباه والنظائر لابن نجيم بحاشية الحموي ١ / ١٤١،١٤٠
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute