للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَيْفِيَّةُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ:

٧ - تَمْيِيزُ الْقَاضِي الْمُدَّعِي مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُعْتَبَرُ مِنْ أَهَمِّ الأُْمُورِ الَّتِي تُعِينُهُ عَلَى إِصَابَةِ الْحَقِّ فِي الأَْحْكَامِ الَّتِي يُصْدِرُهَا، ذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ جَعَل عِبْءَ الإِْثْبَاتِ فِي الدَّعْوَى عَلَى الْمُدَّعِي. وَعِبْءَ دَفْعِهَا بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْمُدَّعِي إِثْبَاتَهَا بِالْبَيِّنَةِ. وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ الْعِبْءَ الأَْوَّل أَثْقَل مِنَ الْعِبْءِ الثَّانِي، فَإِنْ أَخْطَأَ الْقَاضِي فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُ سَيُحَمِّل الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعِبْءَ الأَْثْقَل، وَيَجْعَل عَلَى الْمُدَّعِي الْعِبْءَ الأَْخَفَّ، مِمَّا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى الْخَطَأِ فِي الْحُكْمِ وَالظُّلْمِ فِي الْقَضَاءِ.

لِذَلِكَ اجْتَهَدَ الْفُقَهَاءُ فِي وَضْعِ الضَّوَابِطِ الَّتِي تُعِينُ الْقُضَاةَ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي أَيَّةِ خُصُومَةٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، وَيُمْكِنُ حَصْرُ أَقْوَالِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي اتِّجَاهَيْنِ:

٨ - الاِتِّجَاهُ الأَْوَّل: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَاعْتَمَدُوا فِيهِ عَلَى النَّظَرِ إِلَى جَنَبَةِ كُلٍّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَنَازِعَيْنِ: فَمَنْ كَانَتْ جَنَبَتُهُ قَوِيَّةً بِشَهَادَةِ أَيِّ أَمْرٍ مُصَدِّقٍ لِقَوْلِهِ كَانَ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالآْخَرُ مُدَّعِيًا. وَمَعَ اتِّفَاقِ أَصْحَابِ هَذَا الاِتِّجَاهِ عَلَى هَذَا الأَْصْل، إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الأَْمْرِ الْمُصَدِّقِ الَّذِي إِذَا تَجَرَّدَ عَنْهُ قَوْل أَحَدِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ كَانَ هُوَ الْمُدَّعِي، فَتَبَايَنَتْ - بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ - تَعْرِيفَاتُهُمْ لِلْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى النَّحْوِ الآْتِي: