وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَإِنَّ الْغِنَاءَ الَّذِي لاَ يُصَاحِبُهُ مُحَرَّمٌ، فِيهِ سَمَاعُ صَوْتٍ طَيِّبٍ مَوْزُونٍ، وَسَمَاعُ الصَّوْتِ الطَّيِّبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ طَيِّبٌ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ، لأَِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَلَذُّذِ حَاسَّةِ السَّمْعِ بِإِدْرَاكِ مَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِهِ، كَتَلَذُّذِ الْحَوَاسِّ الأُْخْرَى بِمَا خُلِقَتْ لَهُ.
٢٠ - وَأَمَّا الْوَزْنُ فَإِنَّهُ لاَ يُحَرِّمُ الصَّوْتَ، أَلاَ تَرَى أَنَّ الصَّوْتَ الْمَوْزُونَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ حَنْجَرَةِ الْعَنْدَلِيبِ لاَ يَحْرُمُ سَمَاعُهُ، فَكَذَلِكَ صَوْتُ الإِْنْسَانِ، لأَِنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ حَنْجَرَةٍ وَحَنْجَرَةٍ.
وَإِذَا انْضَمَّ الْفَهْمُ إلَى الصَّوْتِ الطَّيِّبِ الْمَوْزُونِ، لَمْ يَزِدِ الإِْبَاحَةَ فِيهِ إلاَّ تَأْكِيدًا.
٢١ - أَمَّا تَحْرِيكُ الْغِنَاءِ الْقُلُوبَ، وَتَحْرِيكُهُ الْعَوَاطِفَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْعَوَاطِفَ إنْ كَانَتْ عَوَاطِفَ نَبِيلَةً فَمِنَ الْمَطْلُوبِ تَحْرِيكُهَا، وَقَدْ وَقَعَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنِ اسْتَمَعَ إلَى الْغِنَاءِ فِي طَرِيقِهِ لِلْحَجِّ - كَمَا تَقَدَّمَ - وَكَانَ الصَّحَابَةُ يُنْشِدُونَ الرَّجَزِيَّاتِ لإِِثَارَةِ الْجُنْدِ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَعِيبُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَرَجَزِيَّاتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ وَغَيْرِهِ مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ. (١)
الْغِنَاءُ لأَِمْرٍ مُبَاحٍ:
٢٢ - إِذَا كَانَ الْغِنَاءُ لأَِمْرٍ مُبَاحٍ، كَالْغِنَاءِ فِي الْعُرْسِ، وَالْعِيدِ، وَالْخِتَانِ، وَقُدُومِ الْغَائِبِ، تَأْكِيدًا لِلسُّرُورِ الْمُبَاحِ، وَعِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ تَأْكِيدًا لِلسُّرُورِ كَذَلِكَ، وَعِنْدَ سَيْرِ الْمُجَاهِدِينَ لِلْحَرْبِ إِذَا كَانَ لِلْحَمَاسِ فِي نُفُوسِهِمْ، أَوْ لِلْحُجَّاجِ لإِِثَارَةِ الأَْشْوَاقِ فِي نُفُوسِهِمْ إلَى الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ، أَوْ لِلإِْبِل لِحَثِّهَا
(١) إحياء علوم الدين ٢ / ٢٧٠ وما بعدها.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute