بِحُكْمِ الْحَادِثَةِ. وَعِلْمُهُ الْحَاصِل بِالْمُعَايَنَةِ أَقْوَى مِنْ عِلْمِهِ الْحَاصِل بِالشَّهَادَةِ؛ لأَِنَّ الْعِلْمَ الْحَاصِل بِالشَّهَادَةِ عِلْمُ غَالِبِ الرَّأْيِ وَأَكْبَرِ الظَّنِّ، وَالْحَاصِل بِالْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ عَلَى الْقَطْعِ وَالْيَقِينِ، فَهُوَ أَقْوَى، فَكَانَ الْقَضَاءُ بِهِ أَوْلَى.
وَمَذْهَبُ الإِْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي فِي حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِهِ الَّذِي اسْتَفَادَهُ فِي زَمَنِ الْقَضَاءِ وَفِي مَكَانِهِ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ الْقَضَاءُ بِعِلْمِهِ الَّذِي اسْتَفَادَهُ فِي غَيْرِ زَمَنِ الْقَضَاءِ، وَفِي غَيْرِ مَكَانِهِ، أَوْ فِي زَمَنِ الْقَضَاءِ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ. وَعَلَّل ذَلِكَ بِأَنَّ هُنَاكَ فَرْقًا بَيْنَ الْعِلْمَيْنِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي اسْتَفَادَهُ فِي زَمَنِ الْقَضَاءِ وَمَكَانِهِ عِلْمٌ فِي وَقْتٍ هُوَ مُكَلَّفٌ فِيهِ بِالْقَضَاءِ، فَأَشْبَهَ الْبَيِّنَةَ الْقَائِمَةَ فِيهِ، وَالْعِلْمُ الَّذِي اسْتَفَادَهُ قَبْل زَمَنِ الْقَضَاءِ هُوَ فِي وَقْتٍ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فِيهِ بِالْقَضَاءِ، فَأَشْبَهَ الْبَيِّنَةَ الْقَائِمَةَ فِيهِ.
وَقَال الْمُخَالِفُونَ: إِنَّ الْعِلْمَ فِي الْحَالَيْنِ سَوَاءٌ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ حُكْمِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ فِي زَمَانِنَا لِفَسَادِ قُضَاتِهِ. وَمَا قَالَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ جَوَازِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ هُوَ بِخِلاَفِ الْمُفْتَى بِهِ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى جَوَازِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ الَّذِي يَحْصُل بَيْنَ يَدَيْهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، كَالإِْقْرَارِ. وَلَكِنَّ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ حُكْمًا بِعِلْمِ الْقَاضِي، وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الإِْقْرَارِ. (١)
الْقَضَاءُ بِالْقَرِينَةِ الْقَاطِعَةِ:
٣١ - الْقَرِينَةُ لُغَةً: الْعَلاَمَةُ، وَالْمُرَادُ بِالْقَرِينَةِ
(١) البدائع ٧ / ٧، وابن عابدين ٤ / ٣٤٥ ط بولاق الأولى والخرشي ٥ / ١٦٤ - ١٦٩ ط الشرفية وتبصرة الحكام ١ / ١٦٧ ط الحلبي ونهاية المحتاج ٨ / ٢٤٦ وما بعدها ط الإسلامية والمغني ١١ / ٤٠٠ وما بعدها المنار.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute