فَإِنَّ أَحْكَامَهُ تَمْضِي وَلاَ تُنْقَضُ، لأَِنَّهَا إِذَا نُقِضَتْ وَقَدْ مَاتَتِ الْبَيِّنَةُ وَانْقَطَعَتِ الْحُجَّةُ كَانَ ذَلِكَ إِبْطَالاً لِلْحَقِّ.
وَقَال أَصْبَغُ: إِنَّ أَقْضِيَةَ الْخُلَفَاءِ وَالأُْمَرَاءِ وَقُضَاةِ السُّوءِ جَائِزَةٌ مَا عُدِل فِيهِ مِنْهَا، وَيُنْقَضُ مِنْهَا مَا تَبَيَّنَ فِيهِ جَوْرٌ أَوِ اسْتُرِيبَ، مَا لَمْ يُعْرَفِ الْقَاضِي بِالْجَوْرِ فَتُنْقَضُ كُلُّهَا.
وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي الْقَاضِي غَيْرِ الْعَدْل ثَلاَثَةَ أَقْوَالٍ:
الأَْوَّل: تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا، وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْقَاسِمِ.
الثَّانِي: عَدَمُ نَقْضِهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْل الْقَاضِي إِسْمَاعِيل، وَعَلَّل ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ يُحْمَل عَلَى الصِّحَّةِ، مَا لَمْ يَثْبُتِ الْجَوْرُ، وَفِي التَّعَرُّضِ لِذَلِكَ ضَرَرٌ لِلنَّاسِ وَوَهَنٌ لِلْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لاَ يَخْلُو مِنْ أَعْدَاءٍ يَرْمُونَهُ بِالْجَوْرِ يُرِيدُونَ الاِنْتِقَامَ مِنْهُ بِنَقْضِ أَحْكَامِهِ، فَيَنْبَغِي عَدَمُ تَمْكِينِهِمْ مِنْ ذَلِكَ.
الثَّالِثُ: رَأْيُ أَصْبَغَ، وَهُوَ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا عَدَل فِيهِ وَلَمْ يُسْتَرَبْ فِيهِ، وَيُنْقَضْ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ الْجَوْرُ (١) .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ كَلاَمِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُنْقَضُ حُكْمُ مَنْ شَاعَ
(١) تبصرة الحكام ٢ / ٣٠، والشرح الصغير ٤ / ٢٢٠، ٢٢١، والإنصاف ١١ / ٢٢٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute