مُقَارَنَةٌ بَيْنَ حَقِّ الاِنْتِفَاعِ وَمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ:
٣ - يُفَرِّقُ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ حَقِّ الاِنْتِفَاعِ وَمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَنْشَأِ وَالْمَفْهُومِ وَالآْثَارِ. وَخُلاَصَةُ مَا قِيل فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَجْهَانِ:
الأَْوَّل: سَبَبُ حَقِّ الاِنْتِفَاعِ أَعَمُّ مِنْ سَبَبِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ، لأَِنَّهُ كَمَا يَثْبُتُ بِبَعْضِ الْعُقُودِ كَالإِْجَارَةِ وَالإِْعَارَةِ مَثَلاً، كَذَلِكَ يَثْبُتُ بِالإِْبَاحَةِ الأَْصْلِيَّةِ، كَالاِنْتِفَاعِ مِنَ الطُّرُقِ الْعَامَّةِ وَالْمَسَاجِدِ وَمَوَاقِعِ النُّسُكِ، وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِالإِْذْنِ مِنْ مَالِكٍ خَاصٍّ. كَمَا لَوْ أَبَاحَ شَخْصٌ لآِخَرَ أَكْل طَعَامٍ مَمْلُوكٍ لَهُ، أَوِ اسْتِعْمَال بَعْضِ مَا يُمْلَكُ
أَمَّا الْمَنْفَعَةُ فَلاَ تُمْلَكُ إِلاَّ بِأَسْبَابٍ خَاصَّةٍ، وَهِيَ الإِْجَارَةُ وَالإِْعَارَةُ وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ وَالْوَقْفِ، عَلَى تَفْصِيلٍ وَخِلاَفٍ سَيَأْتِي.
وَعَلَى ذَلِكَ، فَكُل مَنْ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ يَسُوغُ لَهُ الاِنْتِفَاعُ، وَلاَ عَكْسَ، فَلَيْسَ كُل مَنْ لَهُ الاِنْتِفَاعُ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ، كَمَا فِي الإِْبَاحَةِ مَثَلاً.
الثَّانِي: أَنَّ الاِنْتِفَاعَ الْمَحْضَ حَقٌّ ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ؛ لأَِنَّ صَاحِبَ الْمَنْفَعَةِ يَمْلِكُهَا وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ فِي الْحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ، بِخِلاَفِ حَقِّ الاِنْتِفَاعِ الْمُجَرَّدِ، لأَِنَّهُ رُخْصَةٌ لاَ يَتَجَاوَزُ شَخْصَ الْمُنْتَفِعِ.
وَعَلَى هَذَا فَمَنْ مَلَكَ مَنْفَعَةَ شَيْءٍ يَمْلِكُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَنْ يَنْقُلَهَا إِلَى غَيْرِهِ، وَمَنْ مَلَكَ الاِنْتِفَاعَ بِالشَّيْءِ لاَ يَمْلِكُ أَنْ يَنْقُلَهُ إِلَى غَيْرِهِ. فَالْمَنْفَعَةُ أَعَمُّ أَثَرًا مِنَ الاِنْتِفَاعِ، يَقُول الْقَرَافِيُّ: تَمْلِيكُ الاِنْتِفَاعِ نُرِيدُ بِهِ أَنْ يُبَاشِرَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ، وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ هُوَ أَعَمُّ وَأَشْمَل، فَيُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ، وَيُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِعِوَضٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute