وَالآْثَارُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ، وَفِي هَذَا الزَّجْرُ عَنِ التَّحَدُّثِ بِكُل مَا سَمِعَ الإِْنْسَانُ، فَإِنَّهُ يَسْمَعُ فِي الْعَادَةِ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، فَإِذَا حَدَّثَ بِكُل مَا سَمِعَ فَقَدْ كَذَبَ لإِِخْبَارِهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ، وَمَذْهَبُ أَهْل الْحَقِّ أَنَّ الْكَذِبَ: الإِْخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ بِخِلاَفِ مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَمُّدُ، لَكِنَّ التَّعَمُّدَ شَرْطٌ فِي كَوْنِهِ إِثْمًا (١) .
الاِسْتِغْنَاءُ عَنِ الْكَذِبِ بِالْمَعَارِيضِ:
١٦ - نُقِل عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: أَنَّ فِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ، قَال عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمَا فِي الْمَعَارِيضِ مَا يَكْفِي الرَّجُل عَنِ الْكَذِبِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِذَلِكَ إِذَا اضْطُرَّ الإِْنْسَانُ إِلَى الْكَذِبِ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ وَضَرُورَةٌ فَلاَ يَجُوزُ التَّعْرِيضُ وَلاَ التَّصْرِيحُ جَمِيعًا، وَلَكِنَّ التَّعْرِيضَ أَهْوَنُ.
وَمِثَال التَّعْرِيضِ: مَا رُوِيَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ عَامِلاً لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا جِئْتَ بِهِ مِمَّا أَتَى بِهِ الْعُمَّال إِلَى أَهْلِهِمْ؟ وَمَا كَانَ قَدْ أَتَاهَا بِشَيْءٍ، فَقَال: كَانَ عِنْدِي ضَاغِطٌ، قَالَتْ: كُنْتَ أَمِينًا عِنْدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ
(١) شرح صحيح مسلم ١ / ٦٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute