وَإِذَا حَنِثَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لأَِنَّ قَوْله تَعَالَى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} يُرَادُ بِهِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل لاَ يُؤَاخِذُ مَنْ حَلَفَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ إِذَا حَنِثَ وَلَمْ يُنَفِّذْ، فَلاَ يُعَاقِبُهُ عَلَى هَذَا الْحِنْثِ، بَل يُوجِبُهُ عَلَيْهِ، وَيَأْمُرُهُ بِهِ، فَإِذَا حَنِثَ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ، عَمَلاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ: أَنَّ مَا ذُكِرَ هُوَ كَفَّارَةُ الأَْيْمَانِ مُطْلَقًا لَغْوًا وَمَعْقُودَةً.
وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا الْيَمِينُ بِغَيْرِهِ فَسَيَأْتِي الْكَلاَمُ عَلَى اللَّغْوِ فِيهَا.
أَحْكَامُ الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ:
الْيَمِينُ الْمَعْقُودَةُ لَهَا ثَلاَثَةُ أَحْكَامٍ: حُكْمُ الإِْتْيَانِ بِهَا، وَحُكْمُ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ فِيهَا، وَالْحُكْمُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْبِرِّ وَالْحِنْثِ.
وَبَيَانُهَا كَمَا يَلِي:
أ - حُكْمُ الإِْتْيَانِ بِهَا:
١١٦ - قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الأَْصْل فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى الإِْبَاحَةُ، وَالإِْكْثَارُ مِنْهَا مَذْمُومٌ.
وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ الأَْصْلِيُّ لِلْيَمِينِ، فَلاَ يُنَافِي أَنَّهُ قَدْ تَعْرِضُ لِلْيَمِينِ أُمُورٌ تُخْرِجُهَا عَنْ هَذَا الْحُكْمِ، كَمَا فِي الْمَذَاهِبِ الآْتِيَةِ الَّتِي ذَكَرَتِ الأَْحْكَامَ تَفْصِيلاً.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الأَْصْل فِي الْيَمِينِ الْكَرَاهَةُ إِلاَّ فِي طَاعَةٍ، أَوْ لِحَاجَةٍ دِينِيَّةٍ، أَوْ فِي دَعْوَى عِنْدَ حَاكِمٍ، أَوْ فِي تَرْكِ وَاجِبٍ عَلَى التَّعْيِينِ أَوْ فِعْل حَرَامٍ (١) وَهَذَا
(١) حاشية ابن عابدين على الدر المختار ٣ / ٤٦، وبداية المجتهد ١ / ٣٩٦، وتفسير القرطبي ٣ / ٩٧، والتحفة بحاشية الشرواني ٨ / ٢١٦، ونهاية المحتاج ٨ / ١٧٠، والبجيرمي على منهج الطلاب ٤ / ٣٢٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute