حِكْمَةُ تَشْرِيعِ التَّعَبُّدِيَّاتِ:
١٣ - حِكْمَةُ تَشْرِيعِ التَّعَبُّدِيَّاتِ اسْتِدْعَاءُ الاِمْتِثَال، وَاخْتِبَارُ مَدَى الطَّاعَةِ وَالْعُبُودِيَّةِ. وَقَدْ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ الْغَزَالِيُّ فِي الإِِْحْيَاءِ بِقَوْلِهِ - فِي بَيَانِ أَسْرَارِ رَمْيِ الْجِمَارِ - وَظَّفَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ أَعْمَالاً لاَ تَأْنَسُ بِهَا النُّفُوسُ، وَلاَ تَهْتَدِي إِِلَى مَعَانِيهَا الْعُقُول، كَرَمْيِ الْجِمَارِ بِالأَْحْجَارِ، وَالتَّرَدُّدِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى سَبِيل التَّكْرَارِ. وَبِمِثْل هَذِهِ الأَْعْمَال يَظْهَرُ كَمَال الرِّقِّ وَالْعُبُودِيَّةِ، فَإِِنَّ الزَّكَاةَ إِرْفَاقٌ، وَوَجْهُهُ مَفْهُومٌ، وَلِلْعَقْل إِلَيْهِ مَيْلٌ، وَالصَّوْمُ كَسْرٌ لِلشَّهْوَةِ الَّتِي هِيَ آلَةُ عَدُوِّ اللَّهِ، وَتَفَرُّغٌ لِلْعِبَادَةِ، بِالْكَفِّ عَنِ الشَّوَاغِل. وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فِي الصَّلاَةِ تَوَاضُعٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَل بِأَفْعَالٍ هِيَ هَيْئَةُ التَّوَاضُعِ، وَلِلنُّفُوسِ السَّعْيُ بِتَعْظِيمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَل. فَأَمَّا تَرَدُّدَاتُ السَّعْيِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ وَأَمْثَال هَذِهِ الأَْعْمَال، فَلاَ حَظَّ لِلنُّفُوسِ فِيهَا وَلاَ أُنْسَ لِلطَّبْعِ بِهَا، وَلاَ اهْتِدَاءَ لِلْعُقُول إِِلَى مَعَانِيهَا، فَلاَ يَكُونُ فِي الإِِْقْدَامِ عَلَيْهَا بَاعِثٌ إِلاَّ الأَْمْرُ الْمُجَرَّدُ، وَقَصْدُ الاِمْتِثَال لِلأَْمْرِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أَمْرٌ وَاجِبُ الاِتِّبَاعِ فَقَطْ، وَفِيهِ عَزْلٌ لِلْعَقْل عَنْ تَصَرُّفِهِ وَصَرْفُ النَّفْسِ وَالطَّبْعِ عَنْ مَحَل أُنْسِهِ. فَإِِنَّ كُل مَا أَدْرَكَ الْعَقْل مَعْنَاهُ مَال الطَّبْعُ إِلَيْهِ مَيْلاً مَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَيْل مُعَيِّنًا لِلأَْمْرِ وَبَاعِثًا مَعَهُ عَلَى الْفِعْل، فَلاَ يَكَادُ يَظْهَرُ بِهِ كَمَال الرِّقِّ وَالاِنْقِيَادِ. وَلِذَلِكَ قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجِّ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ: لَبَّيْكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute