أَصَابَ قَصْدًا هِلَالًا في تَكَامُلِهِ … وبَحْرَ مَنْطِقِهِ مَا لَيْسَ يُغْتَرَفُ
لَمْ يَبْلِهِ الدَّهْرُ، مَا دَامَتْ بَدَائِعُهُ … تُطْوى عَلَى جَمْعِهَا الأحْشَاءُ والصُّحُفُ
ومَنَحَ نَظَرَ في تَصْنِيْفِهِ - قَدَّسَ اللهُ رَوْحَهُ - مِمَّن لَهُ فَهْمٌ وتَيَقُّنٍ، وعِلْمٍ وتَدَيُّنٍ: عَلِمَ أَنَّه يَعْجَزُ عَنْهُ مَنْ يَرُوْمُ تَصْنِيْفَ مِثْلِهِ، ويُفْضَحُ فيه مَنْ يَتَعَاطَى حَذوَ قَوْلِهِ، إِذْ كَلَامُهُ السِّحْرُ الحَلالُ، والعذْبُ الزُّلالُ، والسَّهْلُ المُمْتَنِعُ، والقَرِيْبُ المُسْتَصْعَبُ؛ إِذْ هُوَ نَسِيْجُ وَحْدِهِ زُهْدًا وأَدَبًا، ورِوَايَةً وأَرَبًا، وفَرِيْدُ عَصْرِهِ سُؤْدَدًا ونُبْلًا، وفِقْهًا وجَدَلًا، فهوَ كَمَا قِيْلَ:
مَاتَ البَدِيْعُ، وغَارَتْ دُرَّةُ الفَطِنِ … واسْتَدْرَجَ المَوْتُ بَحْرَ الفَضْلِ في كَفَنِ
لِلَّهِ دُرُّ المَنَايَا مَا صَنَعْنَ بِهِ … ومَا تَضَمَّنَتِ الأكْفَانُ مِنْ بَدَنِ
وَكَمَا قِيْلَ:
تَقَضَّتْ بَشَاشَاتُ المَجَالِسِ بَعْدَهُ … وَوَدَّعَنَا إِذْ وَدَّعَ الأُنْسُ والعِلْمُ
وَقَدْ كَانَ نَجْمَ العِلْمِ فِيْنَا حَيَاتَهُ … فَلَمَّا انْقَضَتْ أَيَّامُهُ أَفَلَ النَّجْمُ
عِشْ مَا بَدَا لَكَ في الدُّنْيَا فَلَسْتَ تَرَى … في النَّاسِ مِنْهُ ولَا مِنْ عِلْمِهِ خَلَفَا
وقَالَ تَلْمِيْذُهُ عليُّ بنُ أَخِي نَصْرٍ (١)، يَرْثِيْهِ:
أَسَفٌ دَائِمٌ وحُزْنٌ مُقِيْمُ … لِمُصَابٍ به الهُدَى مَهْدُوْمُ
مَاتَ نَجْلُ الفَرَّاءِ أَمْ رُجَّتِ الأرْ … ضُ أَمْ البَدْرُ كَاسِفُ والنُّجُوْمُ
لَهْفَ نَفْسِي عَلَى إِمَامٍ حَوَى الفَضْـ … ـلَ هْوَ بالمُشْكِلاتِ عَلِيْمُ
(١) تقدَّم ذكره.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute