للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

وفُوِّضَتْ (١) إِلَيْهِ الأحْوَالُ، وهُوَ يَردُّ ذلكَ بتَعَفُّفٍ وتَعَلُّلٍ وتَقَلُّلٍ، ويقولُ: قَلِيْلُ الدُّنْيَا يجزئُ، وكَثِيْرُها لا يُجْزِئُ. ويقولُ: أَنَا أفرحُ إِذَا لَم يَكُنْ عِنْدِي شَيءٌ. ويقولُ: إِنَّمَا هُو طَعَامٌ دونَ طَعَامٍ، ولِبَاسٌ دونَ لِبَاسٍ، وأَيَّامٌ قلائِلُ

وقال إِسْحاق بنُ هَانِئٍ: بكَّرتُ يومًا لأعُارضَ أَحمد بالزُّهْدِ (٢)، فَبَسَطْتُ لَهُ حَصِيْرًا ومِخَدَّةً، فَنَظَرَ إِلى الحَصِيْرِ والمِخَدَّةِ، فقالَ: مَا هذَا؟ قُلتُ: لِتَجْلِسَ عَلَيْه، فَقَالَ: ارْفَعْهُ، الزُّهْدُ لا يَحْسُنُ إِلَّا بالزُّهْدِ، فرفعتُهُ، وجَلَسَ على التُّرابِ.

وقَالَ أَبُو عُمَيْرٍ عِيْسَى بنُ مَحمَّد بن عِيْسَى (٣) - وَذُكِرَ عِنْدَهُ أَحْمَدُ بن حَنْبَلٍ - فَقَالَ: ، عَنِ الدُّنْيَا مَا كَانَ أَصْبَرَهُ، وبالمَاضِيْنَ مَا كَانَ أَشْبَهَهُ وبالصَّالِحِيْنَ مَا كَانَ أَلْحَقَهُ، عُرِضَتْ لَهُ الدُّنْيَا فَأَبَاهَا، والبِدَعُ فَنَفَاهَا (٤).

وأَمَّا الخَصْلَةُ السَّابِعَةُ، وَهِيَ قَولُهُ: "إِمَامٌ فِي الوَرَعِ" فصَدَقَ في قولهِ


(١) في (ط): "فرضت عليه … ".
(٢) المُعارَضَةُ مقابلةُ الكتابِ بأصَلِهِ، والمقصود هنا: أن يقرأ عليه كتابه "الزُّهد" وهو من مؤلَّفاته الإمام أحمد مشهورٌ. وتعبير الإمام أحمد هذا هو ما يُعرف عند علماء البلاغة بالجناس التَّام كقوله تعالَى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ [الروم: ٥٥].
(٣) هو عيسى بن محمد بن إسحاق، ويقالُ: عيسى بن محمد بن عيسى أبو عمير النَّحاس الرَّملي الفلسطيني (ت ٢٧٦ هـ) محدِّثٌ ثقةٌ. أخباره في: تاريخ أبي زُرعة الدِّمشقي (٥٨)، والجرح والتعديل (٦/ ٢٨٦)، والإكمال (٧/ ٣٧٣)، وتهذيب الكمال (٢٣/ ٢٣)، وسير أعلام النُّبلاءِ (١٢/ ٥٢)، وتهذيب التَّهذيب (٨/ ٢٢٨). استدركته على المؤلّف في موضعه.
(٤) زاد العُلَيْمِيُّ في المنهج الأحمد (١/ ٧٧): "وخَصَّهُ الله تَعَالَى بنُصرةِ دينه والقيام بحفظِ سُنَّتِهِ، ورَضِيَهُ لإقامة حُجَّتِهِ، ونَصَرِ كَلَامِهِ حين عَجَزَ عَنْهُ النَّاسُ".