وَيَذْهَبُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إِلَى أَنَّ التَّوَسُّل بِلَفْظِ " أَسْأَلُكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ " يَجُوزُ إِذَا كَانَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، فَيَقُول فِي ذَلِكَ: فَإِنْ قِيل: إِذَا كَانَ التَّوَسُّل بِالإِْيمَانِ بِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَطَاعَتِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: تَارَةً يَتَوَسَّل بِذَلِكَ إِلَى ثَوَابِ اللَّهِ وَجَنَّتِهِ (وَهَذَا أَعْظَمُ الْوَسَائِل) وَتَارَةً يَتَوَسَّل بِذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ - كَمَا ذَكَرْتُمْ نَظَائِرَهُ - فَيُحْمَل قَوْل الْقَائِل: أَسْأَلُكَ بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ: إِنِّي أَسْأَلُك بِإِيمَانِي بِهِ وَبِمَحَبَّتِهِ، وَأَتَوَسَّل إِلَيْك بِإِيمَانِي بِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ بِلاَ نِزَاعٍ. قِيل: مَنْ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ مُصِيبٌ فِي ذَلِكَ بِلاَ نِزَاعٍ، وَإِذَا حُمِل عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لِكَلاَمِ مَنْ تَوَسَّل بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَمَاتِهِ مِنَ السَّلَفِ، كَمَا نُقِل عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَعَنْ الإِْمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، كَانَ هَذَا حَسَنًا، وَحِينَئِذٍ فَلاَ يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ نِزَاعٌ، وَلَكِنْ كَثِيرٌ مِنَ الْعَوَّامِ يُطْلِقُونَ هَذَا اللَّفْظَ، وَلاَ يُرِيدُونَ هَذَا الْمَعْنَى، فَهَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ مَنْ أَنْكَرَ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُرِيدُونَ بِالتَّوَسُّل بِهِ التَّوَسُّل بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ وَهَذَا جَائِزٌ بِلاَ نِزَاعٍ.
ثُمَّ يَقُول: وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ - مِنْ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْأَل اللَّهَ تَعَالَى بِمَخْلُوقٍ لاَ بِحَقِّ الأَْنْبِيَاءِ وَلاَ غَيْرِ ذَلِكَ - يَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ:
أَحَدَهُمَا: الإِْقْسَامَ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ، وَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute