الشَّيْءِ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا أَوْ شَرْطًا أَوْ سَبَبًا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَنُبَيِّنُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَلَمَّا كَانَ الْفِقْهُ - كَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ أَوْ كَغَيْرِهِ مِنَ الأَْحْيَاءِ - يَنْمُو بِاسْتِعْمَالِهِ، وَيَضْمُرُ بِإِهْمَالِهِ، مَرَّتْ بِهِ أَطْوَارٌ نَمَا فِيهَا وَتَرَعْرَعَ وَتَنَاوَل كُل مَنَاحِي الْحَيَاةِ، ثُمَّ عَدَتْ عَلَيْهِ عَوَادِي الزَّمَنِ فَوَقَفَ نُمُوُّهُ أَوْ كَادَ؛ لأَِنَّهُ أُبْعِدَ - إِمَّا عَنْ عَمْدٍ أَوْ إِهْمَالٍ - عَنْ كَثِيرٍ مِنْ مَشَاكِل الْحَيَاةِ، لاِسْتِبْدَال أَكْثَرِ دُوَل الإِْسْلاَمِ قَوَانِينَ أُخْرَى لاَ تَمُتُّ إِلَى عَادَاتِهِمْ وَبِيئَتِهِمْ وَمُعْتَقَدَاتِهِمْ بِصِلَةٍ، أُعْجِبُوا بِبَرِيقِهَا، وَصَرَفُوا النَّظَرَ عَنْ مَضْمُونِهَا، فَاِتَّخَذُوا مِنْهَا قَوَانِينَ تُنَظِّمُ حَيَاتِهِمْ، وَتَفُضُّ مَشَاكِلَهُمْ، فَأَفْسَدَتْ عَلَيْهِمُ الْحَيَاةَ، وَتَعَقَّدَتْ بِهِمُ الْمَشَاكِل. وَكَانَ مِنْ أَوَّل مَا صُرِفَ النَّظَرُ عَنْهُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الدُّوَل الإِْسْلاَمِيَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَالتَّعَازِيرِ، ثُمَّ تَبِعَ ذَلِكَ مَا شَرَعُوهُ - مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ - مِنْ قَوَانِينَ مَدَنِيَّةٍ تُنَظِّمُ عَلاَقَةَ الأَْفْرَادِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالأَْخْذِ وَالْعَطَاءِ، فَأَبَاحُوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْ رِبًا وَبُيُوعٍ فَاسِدَةٍ وَمُعَامَلاَتٍ بَاطِلَةٍ، فَعَقَّدُوا عَلَى النَّاسِ حَيَاتَهُمْ كَمَا عَقَّدُوا سُبُل التَّقَاضِي، حَتَّى إِنَّ كَثْرَةً مِنْ النَّاسِ يَتْرُكُ حَقَّهُ الشَّرْعِيَّ لِكَثْرَةِ مَا يُعَانِيهِ مِنْ تَعْقِيدَاتٍ.
وَانْحَصَرَ جَهْدُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الثَّالِثَ عَشَرَ الْهِجْرِيِّ إِلَى الْيَوْمِ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الأُْسْرَةِ، وَهُوَ الْقِسْمُ الَّذِي أَطْلَقُوا عَلَيْهِ - أَخِيرًا - اسْمَ " الأَْحْوَال الشَّخْصِيَّةِ "، بَل إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الدُّوَل امْتَدَّتْ يَدُهَا إِلَى هَذَا الْقَدْرِ الضَّئِيل مِنْ الْفِقْهِ الإِْسْلاَمِيِّ فَشَوَّهَتْهُ بِاسْمِ الإِْصْلاَحِ وَالتَّجْدِيدِ.
وَبِالرَّغْمِ مِنْ تَوَالِي الضَّرَبَاتِ عَلَى هَذَا الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ - لِقُوَّةِ أَسَاسِهِ وَإِحْكَامِ بُنْيَانِهِ - لاَ يَزَال صَامِدًا يَتَحَدَّى الزَّمَنَ، وَقَدْ أَذِنَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لِهَذِهِ الأُْمَّةِ الإِْسْلاَمِيَّةِ أَنْ تَصْحُوَ بَعْدَ غَفْوَتِهَا، فَسَمِعْنَا أَصْوَاتًا مُدَوِّيَةً مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ
تُنَادِي بِوُجُوبِ الْعَوْدَةِ إِلَى شَرِيعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُل شَيْءٍ. فَاسْتَجَابَ لِهَذِهِ الأَْصْوَاتِ بَعْضُ الدُّوَل، فَأَعْلَنُوا عَنْ رَغْبَتِهِمْ فِي الْعَوْدَةِ إِلَى حَظِيرَةِ الإِْسْلاَمِ تَشْرِيعًا وَتَطْبِيقًا. وَكَانَ مِنْ هَؤُلاَءِ دَوْلَةُ الْكُوَيْتِ.
فَقَدْ صَدَرَ فِي غُرَّةِ رَبِيعٍ الأَْوَّل ١٣٩٧ هـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute