للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٤ - هَذَا وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ التَّعَبُّدِيَّاتِ شُرِعَتْ لَنَا لِحِكْمَةٍ يَعْلَمُهَا اللَّهُ تَعَالَى وَخَفِيَتْ عَلَيْنَا، أَوْ إِنَّهَا شُرِعَتْ لاَ لِحِكْمَةٍ أَصْلاً غَيْرَ مُجَرَّدِ تَعَبُّدِ اللَّهِ لِلْعِبَادِ وَاسْتِدْعَائِهِ الاِمْتِثَال مِنْهُمْ، اخْتِبَارًا لِطَاعَةِ الْعَبْدِ لِمُجَرَّدِ الأَْمْرِ وَالنَّهْيِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفَ وَجْهَ الْمَصْلَحَةِ فِيمَا يَعْمَل، بِمَنْزِلَةِ سَيِّدٍ أَرَادَ أَنْ يَخْتَبِرَ عَبِيده أَيَّهمْ أَطْوَعُ لَهُ، فَأَمَرَهُمْ بِالتَّسَابُقِ إِِلَى لَمْسِ حَجَرٍ، أَوِ الاِلْتِفَاتِ يَمِينًا أَوْ يَسَارًا مِمَّا لاَ مَصْلَحَةَ فِيهِ غَيْرُ مُجَرَّدِ الطَّاعَةِ.

٥ - قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْحِلْيَةِ: أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْقَوْل الأَْوَّل، وَهُوَ الْمُتَّجَهُ، بِدَلاَلَةِ اسْتِقْرَاءِ تَكَالِيفِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كَوْنِهَا جَالِبَةً لِلْمَصَالِحِ دَارِئَةً لِلْمَفَاسِدِ (١) .

وَكَذَلِكَ الشَّاطِبِيُّ فِي مُوَافَقَاتِهِ اعْتَمَدَ الاِسْتِقْرَاءَ دَلِيلاً عَلَى أَنَّ كُل الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مُعَلَّلَةٌ بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ، وَقَال: إِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَهُ مُعَلَّلَةٌ بِرِعَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَال: وَلَمَّا اضْطُرَّ الرَّازِيَّ إِِلَى إِثْبَاتِ الْعِلَل لِلأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَثْبَتْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعِلَل بِمَعْنَى الْعَلاَمَاتِ الْمُعَرِّفَةِ لِلأَْحْكَامِ. وَذَكَرَ


(١) رد المحتار، على الدر المختار ١ / ٣٠١ ط. بولاق الأولى سنة ١٢٧٢ هـ.