أَمَّا لَوْ أَوْصَى إِلَى وَصِيَّيْنِ لِيَتَصَرَّفَا مُجْتَمِعَيْنِ، فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الاِنْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ، فَلَوْ تَصَرَّفَ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الآْخَرِ أَوْ تَوْكِيلٍ مِنْهُ كَانَ لَهُ رَدُّ تَصَرُّفِهِ؛ لأَِنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَجْعَل ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَرْضَ بِنَظَرِهِ وَحْدَهُ، وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ إِلاَّ فِي الصُّورَةِ الأُْولَى، وَهِيَ مَا إِذَا خَصَّصَ لِكُل وَصِيٍّ عَمَلاً، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُول: إِنَّ الْوِصَايَةَ لاَ تَتَخَصَّصُ بِالتَّخْصِيصِ مِنَ الْمُوصِي، بَل يَكُونُ الْوَصِيُّ وَصِيًّا فِيمَا يَمْلِكُهُ الْمُوصِي، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلاَمِ عَلَى سُلْطَةِ الْوَصِيِّ.
وَإِذَا تَعَدَّدَ الأَْوْصِيَاءُ، وَكَانَ الإِْيصَاءُ مُطْلَقًا عَنِ التَّخْصِيصِ أَوِ التَّقْيِيدِ بِالاِنْفِرَادِ أَوِ الاِجْتِمَاعِ، بِأَنْ قَال: أَوْصَيْتُ إِلَيْكُمَا بِالنَّظَرِ فِي شُئُونِ أَطْفَالِي مَثَلاً، فَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ. فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَقُولاَنِ: لَيْسَ لأَِحَدِ الْوَصِيَّيْنِ الاِنْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ، إِلاَّ أَنَّهُمَا اسْتَثْنَيَا مِنْ ذَلِكَ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ، فَأَجَازَا لِكُل وَاحِدٍ الاِنْفِرَادَ بِهَا لِلضَّرُورَةِ، لأَِنَّهَا تَصَرُّفَاتٌ عَاجِلَةٌ لاَ تَحْتَمِل التَّأْخِيرَ، أَوْ لأَِنَّهَا لاَزِمَةٌ لِحِفْظِ الْمَال، أَوْ لأَِنَّ اجْتِمَاعَ الرَّأْيِ فِيهَا مُتَعَذَّرٌ، كَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ الْمُعَيَّنِ، وَرَدِّ الْوَدِيعَةِ وَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ الْمُعَيَّنَتَيْنِ، وَشِرَاءِ مَا لاَ بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، وَقَبُول الْهِبَةِ لَهُ، وَالْخُصُومَةِ عَنِ الْمَيِّتِ فِيمَا يُدْعَى لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ الاِجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، أَوْ يَضُرُّ تَأْخِيرُهُ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ قَرِيبٌ مِمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا أَوْصَى إِلَى اثْنَيْنِ وَلَمْ يَجْعَل لِكُلٍّ مِنْهُمَا الاِنْفِرَادَ بِالتَّصَرُّفِ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ، بَل لاَ بُدَّ مِنَ اجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ، وَهَذَا فِي أَمْرِ الأَْطْفَال وَأَمْوَالِهِمْ، وَتَفْرِقَةِ الْوَصَايَا غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute