يَا رَسُول اللَّهِ، مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ، وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، قَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟ قَال: مُطْمَئِنًّا بِالإِْيمَانِ، قَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ. (١)
وَقَدْ أَلْحَقَ عُلَمَاءُ الْمَذْهَبِ بِهَذَا النَّوْعِ الإِْكْرَاهَ عَلَى إِفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ، أَوْ تَرْكِ الصَّلاَةِ الْمَفْرُوضَةِ، أَوْ إِتْلاَفِ مَال الْغَيْرِ، فَإِنَّ الْمُكْرَهَ لَوْ صَبَرَ وَتَحَمَّل الأَْذَى، وَلَمْ يَفْعَل مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ كَانَ مُثَابًا، وَإِنْ فَعَل شَيْئًا مِنْهَا فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، وَكَانَ الضَّمَانُ فِي صُورَةِ الإِْتْلاَفِ عَلَى الْحَامِل عَلَيْهِ لاَ عَلَى الْفَاعِل، لأَِنَّ فِعْل الإِْتْلاَفِ يُمْكِنُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْحَامِل بِجَعْل الْفَاعِل آلَةً لَهُ، فَيَثْبُتُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ.
د - أَفْعَالٌ لاَ يَحِل لِلْمُكْرَهِ الإِْقْدَامُ عَلَيْهَا بِحَالٍ مِنَ الأَْحْوَال، كَقَتْل النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا، أَوِ الضَّرْبِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ، فَهَذِهِ الأَْفْعَال لاَ يَجُوزُ لِلْمُكْرَهِ الإِْقْدَامُ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ فِي امْتِنَاعِهِ عَنْهَا ضَيَاعُ نَفْسِهِ، لأَِنَّ نَفْسَ الْغَيْرِ مَعْصُومَةٌ كَنَفْسِ الْمُكْرَهِ، وَلاَ يَجُوزُ لِلإِْنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِيقَاعِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَل كَانَ آثِمًا، وَوَجَبَ عِقَابُ الْحَامِل لَهُ عَلَى هَذَا الْفِعْل بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمَذْهَبِ، وَالْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِي نَوْعِ هَذَا الْعِقَابِ.
فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَقُولاَنِ: إِنَّهُ الْقِصَاصُ، لأَِنَّ الْقَتْل يُمْكِنُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْحَامِل بِجَعْل الْفَاعِل آلَةً لَهُ، وَالْقِصَاصُ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْقَاتِل لاَ عَلَى آلَةِ الْقَتْل.
وَأَبُو يُوسُفَ يَقُول: إِنَّهُ الدِّيَةُ، لأَِنَّ الْقِصَاصَ لاَ
(١) حديث تعذيب عمار: " فإن عادوا فعد ". أخرجه ابن جرير (١٤ / ١٨٢ - ط الحلبي) والحاكم (٢ / ٣٥٧ - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute