لِلْمُفَلِّسِ، بَل إِنَّمَا يَنْفَكُّ بِفَكِّ الْقَاضِي، لأَِنَّهُ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِإِثْبَاتِ الْقَاضِي، فَلاَ يَنْفَكُّ إِلاَّ بِفَكِّهِ، وَلأَِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، وَلاِحْتِمَال ظُهُورِ غَرِيمٍ آخَرَ. وَلاَ يَنْتَظِرُ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُل الدُّيُونِ، بَل مَتَى ثَبَتَ إِعْسَارُهُ بِالْبَاقِي يُفَكُّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ كَمَا لاَ يُحْجَرُ عَلَى الْمُعْسِرِ أَصَالَةً. وَقَال الْقَلْيُوبِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: الْمُعْتَمَدُ يَبْقَى مَحْجُورًا إِلَى تَمَامِ الأَْدَاءِ.
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْحَجْرَ يَنْفَكُّ عَنِ الْمُفَلِّسِ إِنْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ لِلْغُرَمَاءِ شَيْءٌ، دُونَ حَاجَةٍ إِلَى فَكِّهِ مِنْ قِبَل الْحَاكِمِ. قَالُوا: لأَِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي حُجِرَ عَلَيْهِ لأَِجْلِهِ قَدْ زَال.
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ وَجْهٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي: فَإِنَّ حَجْرَ الْمُفَلِّسِ يَنْفَكُّ بِمُجَرِّدِ قِسْمَةِ الْمَوْجُودِ مِنْ مَالِهِ. قَال الْمَالِكِيَّةُ: وَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُمْ شَيْئًا، فَيَنْفَكُّ حِينَئِذٍ وَلَوْ بِلاَ حُكْمِ حَاكِمٍ.
ثُمَّ قَدْ قَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: وَإِذَا انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنِ الْمُفَلِّسِ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ عِنْدَهُ مَالاً غَيْرُ مَا قُسِمَ، أَوِ اكْتَسَبَ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ مَالاً، يُعَادُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ، وَتَصَرُّفُهُ حِينَئِذٍ قَبْل الْحَجْرِ صَحِيحٌ. وَلاَ يُعَادُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بَعْدَ انْفِكَاكِهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ أَوْ يَتَجَدَّدُ لَهُ مَالٌ (١) .
وَلَمْ نَجِدْ تَصْرِيحًا بِحُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَدَى الْحَنَفِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ (وَهُوَ
(١) حاشية الدسوقي ٣ / ٢٦٨، ٢٦٩، وكشاف القناع ٣ / ٤٤١، والمغني ٤ / ٤٤٩، وشرح المنهاج مع حاشية القليوبي ٢ / ٢٩١، وتحفة المحتاج لابن حجر ٤ / ١٢٩، ونهاية المحتاج ٤ / ٣٢٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute