وَكَانَتْ هَذِهِ الإِْرَاقَةُ لاَ يُعْقَل السِّرُّ فِي التَّقَرُّبِ بِهَا، وَجَبَ الاِقْتِصَارُ فِي التَّقَرُّبِ بِهَا عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي خَصَّهَا الشَّارِعُ بِهِ. فَلاَ تُقْضَى بِعَيْنِهَا بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِهَا، بَل يَنْتَقِل التَّغَرُّبُ إِلَى التَّصَدُّقِ بِعَيْنِ الشَّاةِ حَيَّةً، أَوْ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِقِيمَةِ أُضْحِيَّةٍ مُجْزِئَةٍ، فَمَنْ عَيَّنَ أُضْحِيَّةً شَاةً أَوْ غَيْرَهَا بِالنَّذْرِ أَوْ بِالشِّرَاءِ بِالنِّيَّةِ فَلَمْ يُضَحِّ بِهَا حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً، لأَِنَّ الأَْصْل فِي الأَْمْوَال التَّقَرُّبُ بِالتَّصَدُّقِ بِهَا لاَ بِالإِْتْلاَفِ وَهُوَ الإِْرَاقَةُ. إِلاَّ أَنَّ الشَّارِعَ نَقَلَهُ إِلَى إِرَاقَةِ دَمِهَا مُقَيَّدَةً بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ حَتَّى أَنَّهُ يَحِل أَكْل لَحْمِهَا لِلْمَالِكِ وَالأَْجْنَبِيِّ وَالْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، لأَِنَّ النَّاسَ أَضْيَافُ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذَا الْوَقْتِ.
٤٣ - وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِالْبَهِيمَةِ حَيَّةً لَمْ يَحِل لَهُ ذَبْحُهَا وَلاَ الأَْكْل مِنْهَا وَلاَ إِطْعَامُ الأَْغْنِيَاءِ وَلاَ إِتْلاَفُ شَيْءٍ مِنْهَا، فَإِنْ ذَبَحَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهَا مَذْبُوحَةً، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا بَعْدَ الذَّبْحِ أَقَل مِنْ قِيمَتِهَا حَيَّةً تَصَدَّقَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ فَضْلاً عَنِ التَّصَدُّقِ بِهَا. فَإِنْ أَكَل مِنْهَا بَعْدَ الذَّبْحِ شَيْئًا أَوْ أَطْعَمَ مِنْهَا غَنِيًّا أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِقِيمَتِهِ.
٤٤ - وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ التَّضْحِيَةُ وَلَمْ يُضَحِّ حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِالتَّصَدُّقِ بِقِيمَةِ شَاةٍ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ هِيَ الطَّرِيقُ إِلَى تَخْلِيصِهِ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ. هَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ. (١)
وَلِلإِْيصَاءِ بِالتَّضْحِيَةِ صُوَرٌ نَكْتَفِي بِالإِْشَارَةِ إِلَيْهَا، وَلِتَفْصِيلِهَا وَبَيَانِ أَحْكَامِهَا (ر: وَصِيَّةٌ) .
(١) البدائع ٥ / ٦٨ - ٦٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute