قَالُوا: فَهَذَا الاِسْتِضْعَافُ الْمَعْفُوُّ عَمَّنِ اتَّصَفَ بِهِ غَيْرُ الاِسْتِضْعَافِ الْمُعْتَذَرِ بِهِ فِي أَوَّل الآْيَةِ وَصَدْرِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَْرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (١) } ، وَهُوَ قَوْل الظَّالِمِي أَنْفُسِهِمْ: {كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَْرْضِ} فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقْبَل قَوْلَهُمْ فِي الاِعْتِذَارِ بِهِ، فَدَل عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْ وَجْهٍ مَا، وَعَفَا عَنِ الاِسْتِضْعَافِ الَّذِي لاَ يُسْتَطَاعُ مَعَهُ حِيلَةٌ وَلاَ يُهْتَدَى بِهِ سَبِيلٌ بِقَوْلِهِ {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ. فَالْمُسْتَضْعَفُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ فِي الْعَجْزِ عَنِ الْهِجْرَةِ هُوَ الْعَاجِزُ مِنْ كُل وَجْهٍ. فَإِذَا عَجَزَ الْمُبْتَلَى بِهَذِهِ الإِْقَامَةِ عَنِ الْفِرَارِ بِدِينِهِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ سَبِيلاً إِلَيْهَا، وَلاَ ظَهَرَتْ لَهُ حِيلَةٌ وَلاَ قُدْرَةٌ عَلَيْهَا بِوَجْهٍ وَلاَ حَالٍ، أَوْ كَانَ بِمَثَابَةِ الْمُقْعَدِ أَوِ الْمَأْسُورِ، أَوْ كَانَ مَرِيضًا جِدًّا، أَوْ ضَعِيفًا جِدًّا، فَحِينَئِذٍ يُرْجَى لَهُ الْعَفْوُ، وَيَصِيرُ بِمَثَابَةِ الْمُكْرَهِ عَلَى التَّلَفُّظِ بِالْكُفْرِ، وَمَعَ هَذَا لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ قَائِمَةٌ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ وَتَمَكَّنَ لَهَاجَرَ، وَعَزْمٌ صَادِقٌ مُسْتَصْحَبٌ أَنَّهُ إِنْ ظَفِرَ بِمَكِنَةٍ وَقْتًا
(١) سُورَة النِّسَاء / ٩٧
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute