أَمَّا هِبَةُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الأَْوَّل: الْجَوَازُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَاخْتَارَهُ زَكَرِيَّا الأَْنْصَارِيُّ فِي الْمَنْهَجِ.
وَبُنِيَ الْجَوَازُ عَلَى أَنَّهُ إِنَابَةٌ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ، وَلأَِنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ، أَلاَ يَرَى أَنَّهُ يُجْبِرُ الْمَدْيُونَ عَلَى تَسْلِيمِهِ، إِلاَّ أَنَّ قَبْضَهُ بِقَبْضِ عَيْنِهِ؟ فَإِذَا قَبَضَ الْعَيْنَ قَامَ قَبْضُهَا مَقَامَ قَبْضِ عَيْنِ مَا فِي الذِّمَّةِ، إِلاَّ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى الإِْذْنِ بِالْقَبْضِ صَرِيحًا، وَلاَ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَبْضِ بِحَضْرَةِ الْوَاهِبِ بِخِلاَفِ هِبَةِ الْعَيْنِ. وَهَذَا وَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
الثَّانِي: عَدَمُ الْجَوَازِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْصَحِّ الْمُعْتَمَدِ، وَبِهِ قَال الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَوَجْهُ الْقِيَاسِ: أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ جَوَازِ الْهِبَةِ، وَمَا فِي الذِّمَّةِ لاَ يَحْتَمِل الْقَبْضَ، وَهُوَ بِخِلاَفِ مَا لَوْ وُهِبَ لِلْمَدِينِ، لأََنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ، وَذِمَّتُهُ فِي قَبْضِهِ، فَكَانَ الدَّيْنُ فِي قَبْضِهِ بِوَاسِطَةِ قَبْضِ الذِّمَّةِ.
وَاسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَيْهِ: بِأَنَّ الْهِبَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ مَقْدُورَةِ التَّسْلِيمِ، وَأَنَّ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute