يَنْكَبِسُ بِهِ النَّهْرُ كَالطِّينِ وَغَيْرِهِ، لِكَوْنِهِ إِضْرَارًا بِهِمْ بِمَنْعِ مَا فَضَل مِنَ السَّكْرِ عَنْهُمْ، إِلاَّ إِذَا رَضُوا بِذَلِكَ.
فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمُ الشُّرْبُ إِلاَّ بِالسَّكْرِ وَلَمْ يَصْطَلِحُوا عَلَى شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِأَهْل الأَْسْفَل حَتَّى يَرْوُوا، ثُمَّ بَعْدَهُ لأَِهْل الأَْعْلَى أَنْ يَسْكُرُوا.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْل ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَهْل أَسْفَل النَّهْرِ أُمَرَاءٌ عَلَى أَهْل أَعْلاَهُ حَتَّى يَرْوُوا ". لأَِنَّ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا أَهْل الأَْعْلَى مِنَ السَّكْرِ، وَعَلَيْهِمْ طَاعَتُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَمَنْ لَزِمَكَ طَاعَتُهُ فَهُوَ أَمِيرُكَ.
وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: قَال شَيْخُ الإِْسْلاَمِ: وَاسْتَحْسَنَ مَشَايِخُ الأَْنَامِ قَسْمَ الإِْمَامِ بِالأَْيَّامِ، أَيْ إِذَا لَمْ يَصْطَلِحُوا وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِلاَ سَكْرٍ يَقْسِمُ الإِْمَامُ بَيْنَهُمْ بِالأَْيَّامِ فَيَسْكُرُ كُلٌّ فِي نَوْبَتِهِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: فِيهِ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَقَطْعُ التَّنَازُعِ وَالْخِصَامِ، إِذْ لاَ شَكَّ أَنَّ لِكُل شَرِيكٍ فِي هَذَا الْمَاءِ حَقًّا، فَتَخْصِيصُ أَهْل الأَْسْفَل بِهِ حِينَ قِلَّةِ الْمَاءِ فِيهِ ضَرَرٌ لأَِهْل الأَْعْلَى، كَذَا تَخْصِيصُ أَهْل الأَْعْلَى بِهِ فِيهِ ذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُل، فَلِذَا اسْتَحْسَنُوا مَا ذَكَرُوا وَارْتَضَوْهُ (١) .
(١) حاشية ابن عابدين ٥ / ٢٨٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute