فَإِنْ لَمْ يَفْعَل مَا سَبَقَ، فَرَضَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ نَفَقَتَهَا مِنْ حِينِ الْوَقْتِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ فِيهِ الْوُصُول إِلَيْهَا وَتَسَلُّمُهَا فِيهِ، لأَِنَّ الزَّوْجَ امْتَنَعَ مِنْ تَسَلُّمِهَا لإِِمْكَانِ ذَلِكَ وَبَذْلِهَا نَفْسَهَا لَهُ، فَلَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا، وَلأَِنَّ الزَّوْجَ بِامْتِنَاعِهِ عَنِ الْحُضُورِ لِتَسَلُّمِهَا يَكُونُ قَدْ تَرَكَ حَقَّهُ فِي ذَلِكَ، وَتَرْكُهُ لِحَقِّهِ لاَ يُسْقِطُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ النَّفَقَةِ لِزَوْجَتِهِ.
وَإِذَا بَذَلَتْ نَفْسَهَا لَهُ وَهُوَ حَاضِرٌ ثُمَّ غَابَ عَنْهَا بَعْدَ أَنْ عَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا وَامْتَنَعَ مِنْ تَسَلُّمِهَا فَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ وَلاَ تَسْقُطُ عَنْهُ، لأَِنَّ الْمَانِعَ مِنْ جِهَتِهِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْخِطَابِ: إِذَا سَافَرَ الزَّوْجُ قَبْل الدُّخُول فَطَلَبَتْ زَوْجَتُهُ النَّفَقَةَ فَلَهَا ذَلِكَ عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقِيل: لاَ نَفَقَةَ لَهَا إِذَا كَانَ قَرِيبًا لأَِنَّهَا لاَ نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَدْعُوَهُ وَهِيَ لَمْ تَدْعُ قَبْل مَغِيبِهِ فَيُكْتَبُ لَهُ إِمَّا أَنْ يَبْنِيَ أَوْ أَنْ يُنْفِقَ، وَقِيل: لَهَا النَّفَقَةُ مِنْ حِينِ تَدْعُو إِلَى الْبِنَاءِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَلَى قُرْبٍ فَلَيْسَ عَلَيْهَا انْتِظَارُهُ وَهَذَا أَقْيَسُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ إِذْ لَمْ يُفَرَّقْ فِيهَا بَيْنَ قُرْبٍ وَلاَ بُعْدٍ (١) .
(١) مواهب الجليل ٤ / ١٨٢ - ١٨٣، والتاج والإكليل ٤ / ٢٠٠، وشرح الخرشي ٤ / ١٩٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute