الزَّبِيبِ أَدْنَى طَبْخَةٍ، يَحِل شُرْبُهُ وَلاَ يَحْرُمُ إِلاَّ السُّكْرُ مِنْهُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ: الرِّوَايَةُ الأُْولَى: لاَ يَحِل شُرْبُهُ، لَكِنْ لاَ يَجِبُ الْحَدُّ إِلاَّ بِالسُّكْرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: قَال مُحَمَّدٌ: لاَ أُحَرِّمُهُ، وَلَكِنْ لاَ أَشْرَبُ مِنْهُ. وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لِقَوْلِهِمَا: بِأَنَّ طَبْخَ الْعَصِيرِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ - وَهِيَ أَنْ يَذْهَبَ أَقَل مِنْ ثُلُثَيْهِ - لاَ يَحْرُمُ إِلاَّ السُّكْرُ مِنْهُ، وَإِنِ اشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ، إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الشَّرَابَ لاَ يُسْكِرُهُ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قُوَّةُ الإِْسْكَارِ بِنَفْسِهِ. هَذَا، وَإِنْ حَل شُرْبُ الْقَلِيل الَّذِي لاَ يُسْكِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَيْسَ مُطْلَقًا، وَلَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشُرُوطٍ هِيَ: (١) أَنْ يَكُونَ شُرْبُهُ لِلتَّقَوِّي وَنَحْوِهِ مِنْ غَرَضٍ صَحِيحٍ. (٢) أَنْ يَشْرَبَهُ لاَ لِلَّهْوِ وَالطَّرِبِ، فَلَوْ شَرِبَهُ لِلَّهْوِ أَوِ الطَّرِبِ فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَرَامٌ. (٣) أَلاَّ يَشْرَبْ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مُسْكِرٌ، فَلَوْ شَرِبَ حِينَئِذٍ، فَيَحْرُمُ الْقَدَحُ الأَْخِيرُ الَّذِي يَحْصُل السُّكْرُ بِشُرْبِهِ، وَهُوَ الَّذِي يُعْلَمُ يَقِينًا، أَوْ بِغَالِبِ الرَّأْيِ، أَوْ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ يُسْكِرُهُ (١) . وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِثْلُهُمَا بَقِيَّةُ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ: إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ مِنَ التَّابِعِينَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى،
(١) بدائع الصنائع ٦ / ٢٩٤٣، وحاشية ابن عابدين مع الدر المختار ٥ / ٢٩١ - ٢٩٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute