فَهَاهُنَا تَحْسُنُ مُرَاعَاةُ الْخِلاَفِ، وَيُعْمَل ابْتِدَاءً عَلَى الدَّلِيل الأَْرْجَحِ، لِمُقْتَضَى الرُّجْحَانِ فِي غَلَبَةِ ظَنِّهِ، فَإِذَا وَقَعَ عَقْدٌ أَوْ عِبَادَةٌ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيل الآْخَرِ لَمْ يُفْسَخِ الْعَقْدُ، وَلَمْ تَبْطُل الْعِبَادَةُ، لِوُقُوعِ ذَلِكَ عَلَى مُوَافَقَةِ دَلِيلٍ لَهُ فِي النَّفْسِ اعْتِبَارٌ.
وَلَيْسَ إِسْقَاطُهُ بِالَّذِي يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا: إِعْطَاءُ كُل وَاحِدٍ مِنَ الدَّلِيلَيْنِ حُكْمَهُ، فَيَقُول ابْتِدَاءً بِالدَّلِيل الَّذِي يَرَاهُ أَرْجَحَ، ثُمَّ إِذَا وَقَعَ الْعَمَل عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيل الآْخَرِ رَاعَى مَا لِهَذَا الدَّلِيل مِنَ الْقُوَّةِ الَّتِي لَمْ يَسْقُطِ اعْتِبَارُهَا فِي نَظَرِهِ جُمْلَةً، فَهُوَ تَوَسُّطٌ بَيْنَ مُوجِبِ الدَّلِيلَيْنِ (١) .
وَنَقَل الزَّرْكَشِيُّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَال: الْخِلاَفُ أَقْسَامٌ:
الأَْوَّل: أَنْ يَكُونَ فِي التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيمِ فَالْخُرُوجُ مِنَ الْخِلاَفِ بِالاِجْتِنَابِ أَفْضَل.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْخِلاَفُ فِي الاِسْتِحْبَابِ وَالإِْيجَابِ، فَالْفِعْل أَفْضَل.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْخِلاَفُ فِي الشَّرْعِيَّةِ، كَقِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ فِي الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَاجِبَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَكَذَلِكَ صَلاَةُ الْكُسُوفِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَنْقُولَةِ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّهَا سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَنْكَرَهَا أَبُو حَنِيفَةَ
(١) المعيار المعرب للونشريسي ٦ / ٣٨٨ ط دار الغرب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute