للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الْمُهْلِكَاتِ، وَمُدَاوَاتُهُ فَرْضُ عَيْنٍ، وَلَكَ فِي مُعَالَجَتِهِ مَقَامَانِ:

الأَْوَّل: فِي اسْتِئْصَال أَصْلِهِ وَقَطْعِ شَجَرَتِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ الإِْنْسَانُ نَفْسَهُ، وَيَعْرِفَ رَبَّهُ، فَإِنَّهُ إِنْ عَرَفَ نَفْسَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ، عَلِمَ أَنَّهُ أَذَل مِنْ كُل ذَلِيلٍ، وَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي أَصْل وُجُودِهِ بَعْدَ الْعَدَمِ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ خَرَجَتْ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْل، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ، فَقَدْ صَارَ شَيْئًا مَذْكُورًا بَعْدَ أَنْ كَانَ جَمَادًا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُحِسُّ وَلاَ يَتَحَرَّكُ، فَقَدِ ابْتَدَأَ بِمَوْتِهِ قَبْل حَيَاتِهِ، وَبِضَعْفِهِ قَبْل قُوَّتِهِ، وَبِفَقْرِهِ قَبْل غِنَاهُ، وَقَدْ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى هَذِهِ بِقَوْلِهِ: {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيل يَسَّرَهُ} وَبِقَوْلِهِ: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} فَأَحْيَاهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَحْسَنَ تَصْوِيرَهُ، وَأَخْرَجَهُ إِلَى الدُّنْيَا فَأَشْبَعَهُ وَأَرْوَاهُ، وَكَسَاهُ وَهَدَاهُ وَقَوَّاهُ، فَمَنْ هَذِهِ بِدَايَتُهُ فَأَيْ وَجْهٍ لِكِبْرِهِ وَفَخْرِهِ؟ ،،.

عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَامَ لَهُ الْوُجُودُ عَلَى اخْتِيَارِهِ لَكَانَ لِطُغْيَانِهِ طَرِيقٌ، بَل قَدْ سَلِّطَ عَلَيْهِ الأَْخْلاَطَ الْمُتَضَادَّةَ، وَالأَْمْرَاضَ الْهَائِلَةَ، بَيْنَمَا بُنْيَانُهُ قَدْ تَمَّ، إِذْ هُوَ قَدْ هَوَى وَتَهَدَّمَ، لاَ يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ