للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَذَلِكَ فَرَضَ الصَّحَابَةُ لِلْقُضَاةِ رِزْقًا مِنْ بَيْتِ الْمَال، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فِي الشَّامِ أَنِ انْظُرُوا رِجَالاً مِنْ أَهْل الْعِلْمِ مِنَ الصَّالِحِينَ مِنْ قِبَلِكُمْ فَاسْتَعْمِلُوهُمْ عَلَى الْقَضَاءِ، وَأَوْسِعُوا عَلَيْهِمْ فِي الرِّزْقِ لِيَكُونَ لَهُمْ قُوَّةً وَعَلَيْهِمْ حُجَّةً.

وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ أَخْذِ الْقَاضِي لِلرِّزْقِ هُوَ فِي حَالَةِ كَوْنِهِ فَقِيرًا، أَمَّا إِنْ كَانَ غَنِيًّا فَقَدِ اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ فَقَال بَعْضُهُمْ: لاَ يَحِل لَهُ الأَْخْذُ لأَِنَّهُ لاَ حَاجَةَ لَهُ فِيهِ، وَقَال آخَرُونَ: يَحِل لَهُ الأَْخْذُ وَالأَْفْضَل لَهُ أَنْ يَأْخُذَ، أَمَّا الْحِل فَلأَِنَّهُ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ كِفَايَتُهُ عَلَيْهِمْ لاَ مِنْ طَرِيقِ الأَْجْرِ، وَأَمَّا الأَْفْضَلِيَّةُ فَلأَِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إِلَى ذَلِكَ فَرُبَّمَا يَجِيءُ بَعْدَهُ قَاضٍ مُحْتَاجٌ وَقَدْ صَارَ ذَلِكَ سُنَّةً وَرَسْمًا فَيَمْتَنِعُ وَلِيُّ الأَْمْرِ عَنْ إِعْطَائِهِ، فَكَانَ الاِمْتِنَاعُ مِنَ الأَْخْذِ شُحًّا بِحَقِّ الْغَيْرِ، وَكَانَ الأَْفْضَل هُوَ الأَْخْذَ. (١)

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَعِنْدَهُ كِفَايَةٌ تُغْنِيهِ عَنِ الاِرْتِزَاقِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ، وَحُكِيَ عَنِ الشَّاشِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ قَال: يَجُوزُ لِمَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَلَهُ


(١) روضة القضاة ١ / ٨٥، بدائع الصنائع ٧ / ١٣، ١٤ طبع الجمالية سنة ١٣٢٨هـ، حاشية ابن عابدين ٣ / ٢٨٠.