فَوَجَدْنَا أَحَدَنَا قَتِيلاً، فَقَال: الْكُبْرَ الْكُبْرَ، فَقَال لَهُمْ تَأْتُونِي بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ؟ قَالُوا مَا لَنَا بَيِّنَةٌ، قَال: فَيَحْلِفُونَ، قَالُوا لاَ نَرْضَى بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ، فَكَرِهَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَل دَمُهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِل الصَّدَقَةِ (١) .
دَل هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ أَوَّل مَا يُطْلَبُ فِي دَعْوَى الْقَسَامَةِ كَغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الدَّعَاوَى هُوَ الْبَيِّنَةُ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ بَيِّنَةٌ لِلْمُدَّعِي وُجِّهَتِ الأَْيْمَانُ الْخَمْسُونَ الْخَاصَّةُ بِدَعْوَى الْقَسَامَةِ إِلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، كَمَا نَصَّ الْحَدِيثُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ حَلَفُوا بَرِئُوا وَانْتَهَتِ الْخُصُومَةُ، وَلَكِنَّ الأَْنْصَارَ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ لَمْ يَقْبَلُوا أَنْ يَحْلِفَ لَهُمُ الْيَهُودُ لِكُفْرِهِمْ وَجُرْأَتِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ، فَأَعْطَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَتَهُ لأَِهْلِهِ مِنْ عِنْدِهِ كَيْ لاَ يُهْدَرَ دَمُ مُسْلِمٍ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا نَكَل مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْقَسَامَةُ مِنْ أَهْل الْمَحَلَّةِ حُبِسَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ، وَكَذَا إِنْ نَكَل جَمِيعُ الْمُحَلَّفِينَ؛ لأَِنَّ الْيَمِينَ فِي الْقَسَامَةِ مَقْصُودَةٌ بِنَفْسِهَا، وَلَيْسَتْ وَسِيلَةً لِتَحْصِيل غَيْرِهَا، بِمَعْنَى أَنَّ الْيَمِينَ فِي الْقَسَامَةِ يُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدِّيَةِ، فَإِذَا حَلَفَ الْمُحَلَّفُونَ لَمْ تَسْقُطِ الدِّيَةُ عَنْهُمْ، بِخِلاَفِ الْيَمِينِ فِي دَعْوَى الأَْمْوَال، فَإِذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الْمَال بَرِئَ وَسَقَطَ الْمَال الَّذِي
(١) حديث سهل بن أبي حثمة. أخرجه البخاري (فتح الباري ١٢ / ٢٢٩ ط. السلفية) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute