للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحَنَفِيَّةُ: وَمِثْلُهُ مَا لَوْ فَعَلَهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، كَتَحْسِينِ الصَّوْتِ؛ لأَِنَّهُ يَفْعَلُهُ لإِِصْلاَحِ الْقِرَاءَةِ، وَمِنَ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ مَا لَوْ فَعَلَهُ لِيَهْتَدِيَ إِمَامُهُ إِلَى الصَّوَابِ، أَوْ لِلإِْعْلاَمِ أَنَّهُ فِي الصَّلاَةِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَالْقِيَاسُ الْفَسَادُ فِي الْكُل إِلاَّ فِي الْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ كَمَا هُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لأَِنَّهُ كَلاَمٌ، وَالْكَلاَمُ مُفْسِدٌ عَلَى كُل حَالٍ، وَكَأَنَّهُمْ عَدَلُوا بِذَلِكَ عَنِ الْقِيَاسِ وَصَحَّحُوا عَدَمَ الْفَسَادِ بِهِ إِذَا كَانَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ لِوُجُودِ نَصٍّ، وَلَعَلَّهُ مَا فِي الْحِلْيَةِ مِنْ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَال: كَانَ لِي مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدْخَلاَنِ: مَدْخَلٌ بِاللَّيْل وَمَدْخَلٌ بِالنَّهَارِ، فَكُنْتُ إِذَا أَتَيْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي يَتَنَحْنَحُ لِي (١) .

وَبِمِثْل هَذَا صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ فَأَجَازُوا النَّحْنَحَةَ لِحَاجَةٍ وَلَوْ بَانَ حَرْفَانِ. قَال الْمَرُّوذِيُّ: كُنْتُ آتِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَيَتَنَحْنَحُ فِي صَلاَتِهِ لأَِعْلَمَ أَنَّهُ يُصَلِّي.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يُعْذَرُ مِنَ التَّنَحْنُحِ وَغَيْرِهِ: كَالسُّعَال وَالْعُطَاسِ الْيَسِيرِ عُرْفًا لِلْغَلَبَةِ، وَإِنْ ظَهَرَ بِهِ حَرْفَانِ لِعَدَمِ


(١) حديث علي بن أبي طالب - " كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان ". أخرجه ابن ماجه (٢ / ١٢٢ - ط. الحلبي) وفي إسناده انقطاع بين علي وبين الراوي عنه، كذا في تحفة الأشراف للمزي (٧ / ٤١٦ - ط. الدار القيمة) .