للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُنْذِرِيُّ: لاَ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَيُغْنِي عَنْهُ النَّهْيُ الثَّابِتُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ (١) .

وَقَدْ نَصَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى صِحَّةِ ضَمَانِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ صِحَّةُ الْحَوَالَةِ بِهِ أَيْضًا، إِذْ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ أَنَّ كُل دَيْنٍ صَحَّ ضَمَانُهُ صَحَّتْ حَوَالَتُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَجْهُولاً. وَصَرَّحَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ تَنْزِيلاً لَهُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ لِصِحَّةِ الإِْبْرَاءِ مِنْهُ.

لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَمُوَافِقِيهِمْ يُفَرِّقُونَ فِي دَيْنِ السَّلَمِ مِنْ حَيْثُ تَصْحِيحُهُمْ ضَمَانَهُ دُونَ الْحَوَالَةِ بِهِ بِأَنَّ دَيْنَ السَّلَمِ لاَ يَصِحُّ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَأَنَّ الْحَوَالَةَ اعْتِيَاضٌ، لأَِنَّهَا بَيْعٌ بِخِلاَفِ الضَّمَانِ.

وَظَاهِرٌ أَنَّ كُل مَنْ يُجِيزُ أَخْذَ الْقِيمَةِ عَنِ الزَّكَاةِ، لاَ يُسَلِّمُ بِهَذَا التَّعْلِيل (عَدَمُ صِحَّةِ الاِعْتِيَاضِ) لِمَنْعِ الْحَوَالَةِ بِدَيْنِ الزَّكَاةِ، فَالَّذِي لاَ يَرَى عِلَّةً مَانِعَةً أُخْرَى يُصَرِّحُ بِجَوَازِ الْحَوَالَةِ بِهِ.

وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْفُسِهِمْ مَنْ يُصَرِّحُ أَيْضًا بِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ بِدَيْنِ الزَّكَاةِ، عَلَى أَنَّهَا اسْتِيفَاءٌ لاَ بَيْعٌ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الثَّمَنَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ عِنْدَ كَثِيرِينَ، كَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ،


(١) حديث: " نهى عن بيع مالم يقبض ". ورد فيه حديث عبد الله بن عمر مرفوعا: " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه ". أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ٣٤٩ - ط السلفية) .