النَّذْرُ إِنَّمَا يَجِبُ وَفَاؤُهُ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ، إِذِ الْمَسَاجِدُ كُلُّهَا بُيُوتُ اللَّهِ، وَسَائِرُ الْمَسَاجِدِ يَجُوزُ الدُّخُول فِيهَا بِلاَ إِحْرَامٍ فَلاَ يَصِيرُ بِهِ مُلْتَزِمًا لِلإِِْحْرَامِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِِلَى أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ إِِلَى مَسْجِدِ مَكَّةَ وَلَوْ لِصَلاَةٍ يَلْزَمُهُ، كَمَا يَلْزَمُ نَاذِرَ الْمَشْيِ إِِلَى مَكَّةَ أَوْ الْبَيْتِ الْحَرَامِ أَوْ جُزْئِهِ الْمُتَّصِل بِهِ كَبَابِهِ، وَرُكْنِهِ، وَمُلْتَزَمِهِ، وَشَاذَرْوَانِهِ وَحِجْرِهِ. وَلاَ يَلْزَمُ الْمَشْيُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْحَرَمِ، كَزَمْزَمَ وَالْمَقَامِ، وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَوْ خَارِجًا عَنِ الْحَرَمِ كَعَرَفَةَ (١) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا نَذَرَ الْمَشْيَ إِِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إِتْيَانَهُ وَقَصَدَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، أَوْ صَرَّحَ بِلَفْظِ الْحَرَامِ، فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ إِتْيَانِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَقُل الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَلاَ نَوَاهُ، أَوْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ وَلَمْ يَنْوِ الْحَجَّ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ، لأَِنَّ بَيْتَ اللَّهِ تَعَالَى يَصْدُقُ عَلَى بَيْتِهِ الْحَرَامِ وَعَلَى سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِلَفْظٍ وَلاَ نِيَّةٍ.
وَلَوْ نَذَرَ إِتْيَانَ مَكَانٍ مِنْ الْحَرَمِ كَالصَّفَا أَوِ الْمَرْوَةِ، أَوْ مَسْجِدِ الْخَيْفِ، أَوْ مِنًى، أَوْ مُزْدَلِفَةَ، لَزِمَهُ إِتْيَانُ الْحَرَمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، لأَِنَّ الْقُرْبَةَ إِنَّمَا تَتِمُّ فِي إِتْيَانٍ بِنُسُكِهِ، وَالنَّذْرُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَاجِبِ. وَحُرْمَةُ الْحَرَمِ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنَ
(١) فتح القدير ٣ / ٨٨، وحاشية ابن عابدين ٢ / ٢٥٣، وجواهر الإكليل ١ / ٢٤٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute