ولما حثثنا مطايا الشوق نحو الحبيب، التحقنا وقد أخذت منا السُّرى برداء الليل الرحيب، وانتشقنا من نسيم القرب عنبرا، واغتبقنا من حديث الوجد مسكرًا، حتى إذا مالت بنا على الأكوار سنة الكرى، وطالب المنى إلى اللقاء، فقالت الأطماع ما هذا حديث مفترى، حباك من تهوى بطيفه الطارق، وحيَّاك بمجاز وصال هو أحظى لدى المحب من كثير من الحقائق.
وفضائله كثيرة، وموادُّه في الأدب غزيرة.
ودرَّس الحديث النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والتسليم بالمدرسة الظاهرية، فتلقاه طلبتها بالتسليم، وولاه الإمام أبو الفتح القشيري الإفادة عنده بالمدرسة الكاملية، وذلك دالٌ على التكريم.
وكان ثقة في ما ينقله، جيد الإدراك في ما يعقله، وولي الإعادة في درس الحديث بالجامع الطولوني مدة، ثم عزله شيخنا قاضي القضاة أبو عبد الله ابن جماعة لأمور مشهورة، وسير مذكورة، وقبل وفاتهما مضى فتح الدين إلى قاضي القضاة بدر الدين، وتحالل منه، وخرج من عنده وهو راضٍ عنه.
ولد ﵀ في رابع عشر ذي قعدة، سنة إحدى وسبعين وست مئة.
وتوفي فجأة في حادي عشر شهر شعبان، من شهور سنة أربع وثلاثين وسبع مئة.
ولم يخلف بعده في القاهرة ومصر من يقوم بفنونه مقامه، ولا من يبلغ في ذلك مرامَه، أعقبه الله السلامة في دار الإقامة.
٤٧٠ - محمد بن محمد بن الحسين ابن رشيق المصري المولد، الزين المالكي القاضي (١).