الحمد لله المتفرد بالبقاء، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء، نبينا محمد وعلى آله وصحبه النُّجَباء، ومن سار على هديه واستنّ بسنته من الصلحاء.
أما بعد:
فإن فنّ التراجم من الفنون التي أبدع فيها علماء الإسلام؛ فأكثروا من وضع التصانيف الخاصة والعامة في التعريف بأعلام علماء الأمة، ونُبلائها، وصُلَحائها، وذكرِ أخبارهم، وأحوالهم، ومآثرهم، ومناقبهم، ولا شكّ أن من جملة الدوافع التي حفّزتهم إلى تدوينها ما جُبِلوا عليه من الوفاء لشيوخهم وأسلافهم، وما تقرّر لديهم من ضرورة نشر فضائلهم بين الناس، وتخليد ذِكْرهم والدعاء لهم بالخير في الأجيال اللّاحقة من أبناء الأمة.
ومن فوائد التصنيف في فنّ التراجم: أخذُ العبرة والعظة، وحسنُ الاقتداء بمن مضى، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف: ١١١]، ومنها الاطلاع على مراتبهم في العلم والفضل، فنَأْمَنَ من تقديم الأَدْنَى على الأعلى؛ لا سيما عند تعارض أقوالهم وآرائهم، ومنها الاطلاع على مواليدهم ووفياتهم، ومعرفة أزمانهم وطبقاتهم؛ فنستطيع تمييز من تشابهت أسماؤهم، ونأمن من جعل المتقدم متأخرًا، والمتأخر متقدمًا.