كتب للقاضي زين الدين علي بن يوسف الدمشقي، ثم لقاضي القضاة عماد الدين ابن السكَّري، وناب في الحكم عنهما وعن غيرهما، ثم لما عزل ابن السكري سألوا عمن يصلح للقضاء، فقيل مُوَقّعه، فولي القاهرة والوجه البحري، وولي تاج الدين ابن الخراط مصر والوجه القبلي، ثم لما صرف ابن الخراط جمع لابن عين الدولة العَمَلان في سنة سبع عشرة وست مئة، وسار في القضاء أحسن سيرة.
ولم يكن له غير بدلة واحدة، فإذا غسلها أغلق بابه، وليس له غير بغلة واحدة.
وشهد عنده السلطان الملك الكامل بشهادة فلم يقبلها، فتغيَّر عليه، وكلمه كلامًا خشنًا، فذُكِر له حاله، وما هو عليه من التقشف والتقلل والورع، فاستعطفه وأكرمه وبجَّله.
وكان يكتب إليه القاضي في أمور، فيكتب السلطان بخطه إليه، ويعظمه في كتابته، ويقضي حوائجه، ويجيبه إلى مطلوبه.
والعلم والديانة ينزِّلان الإنسان الأعزَّين مكانًا ومكانة، وتعقد عليه الخناصر، وهما للمتصف بهما أعز ناصر.
وكان القاضي ذكي الفطرة، حاد القريحة، جوادًا، كريمًا، متصدقًا، كثير الإيثار، حسن المقاصد.
ولما ولي الملك الصالح أيوب السلطنة بديار مصر، ووجد على أخيه العادل الصغير، وقُبضَ عليه، وهمَّ بالتشويش على أمه شمسة، فطلع إليه القاضي مهنِّئًا له بالملك وتحدث معه، ثم لما أراد الانفصال، قال: يا مولانا رفعت رقعة إلى أبي الفرج ابن الجوزي وهو على المنبر يعظ، وفيها: يا إمام إن حواء، ﵍، كانت مشتركة مع آدم، عليهما الصلاة والسلام، في القصة، وأُفْرد آدم بالذكر فقال تعالى: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ (١)، ولم يذكر حواء، فقرأ الرقعة، وقال: يا عزيزي، ستر الحُرُم من الكرم، فقال السلطان: فهمت ولم يتعرض لشمسة ولا شوَّش عليها.