وتوجه إلى مكة، شرفها الله، ليحج، ويقصد اليمن من هناك للتجارة، فخانه الأمل وأدركه الأجل، ودفن بمعالمها، والأعمال بخواتمها.
وأجازه القزويني المذكور بالفتوى، وله نظم، وكان بإِسْنا شابٌّ جميلٌ، له شامة في أنفه، فنظم فيه، وأنشدني هذين البيتين، وهما قوله:
يا سائلي عن شامةٍ في أنف من … فضح الغصون بمَيْسه في عطفه
إن الذي برأ الحواجب صاغها … نونين في وجه الحبيب بلطفه
فتنازع النونان نقطةُ حسنه … فأقرَّها ملك الجمال بأنفه
وقد نظمت أنا في هذا المعنى ما جاء ذكره بعد.
وله نثر لا بأس به، وكتب كثيرًا بخطه في الحديث والفقه واللغة والتصوف، وشرع في "اختصار الروضة" (١)، وذكر أنه أكمله، ووقَفَ بعض كتبه على طلبة العلم.
وكانت وفاته في شهر المحرم، سنة أربعين وسبع مئة، وقد جاوز الستين.
مرَّ عليَّ بالمدرسة الصالحية يومًا، وقد نظمت هذه الأبيات، فقلت له اسمعها، فوقف، وأنشدته قولي: شعر
وقد كنت في عصر الصبا ذا صبابةٍ … وما راق من لهوٍ إليَّ حبيب
زمانيَ صفوٌ كلُّه ومسرَّةٌ … ولي من وصال الغانيات نصيب
فلما رأيت الشّيب لاح تكدّرتْ … حياتي فحلو العيش ليس يطيب
إذا ابيضَّ مسودُّ النبات فإنه … دليلٌ على أن الحصاد قريب
ومذ حلَّ هذا الشيب ساءت مسرتي … وصار عليها للهموم رقيب
(١) يقصد روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي.