القضاة الشيخ تقي الدين القشيري ولاية العقود بالقاهرة، وسألته أن يفوض ذلك إلى ابن السقطي أن يولّيني، فقال: ما يفعل، فقلت: بلى يفعل، فقال: أنا أقرب في ذلك منه.
وكان محتاطًا في أحواله، كانت له بنتٌ متزوجة بقليوب، وكان يروح إلى قليوب وهي في ولايته، فيرسل إلى الشرائحي يطبخ له، فقال له صهره: يا سيدنا أرسل اللحم والحوائج إلى بيتك، فقال: لا، ما أفعل، يرى الناس طبقًا جاء من عندكم وما يعلمون أن الحوائج من عندي.
وأخبرني الشيخ تقي الدين محمد الشهير بابن الصائغ المقرئ، وهو ابن عم القاضي جمال الدين، قال: لما ولى القضاء صدر الدين ابن بنت الأعز، رسم أن لا يجلس أحدٌ بحوانيت الشهود حتى يعرف حاله، فقام الناس وجئت إلى القاهرة، فرأيت خلائق وزحمة، فقال شخص لرفيقه: هذا أول من يجلس بمصر، فإن ابن عمه ابن السقطي يعرف به، والقاضي يرجع إليه، قال: فزاحمت إلى ان اجتمعت به، فقال: ارجع إلى مصر واجلس، فقلت ما أروح إلى القاضي، فقال: لا، فسألته أن يحكي لي ما قال، فقال: وقع ذكرك في المجلس فأثنى عليك الوجيه البهنسي والعماد ابن الشكري، فقلت: ما قلت أنت؟ قال: لما شكراك التفت إلي القاضي، فقلت: هو ابن عم المملوك، فقال: يجلس.
وأخبرني القاضي أبو الطاهر إسماعيل السفطي، قال: لما ولي قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة القضاء بالديار المصرية، في سنة اثنتين وسبع مئة، كنت قاضيًا بقوص، فتوقف في ولايتي، وذكرني له جماعة، وطالت القضية فصرت إلى مصر، وسألت صهري الشيخ تقي الدين الصائغ عن القاضي جمال الدين هل ساعدنا أو ذكرني؟ فقال: قلت له، وقال: ما أتكلم إلا إذا سألني القاضي.
قال: واتفق أني أقمتُ بمصر أيامًا وولاني القاضي، وكتب التقليد وأحضر إليه، فالتفت إلي ابن السقطي، وقال هذا تقليد قوص، كيف نعمل ما تهيأ لنا غير من بها، فقال له: أرى سيدنا يتكره القضية، هذا فلان جرب فصحَّ، فعلم القاضي على التقليد وأعطاه له.