الحليق هناك، ونام، ونام الخادم أيضًا، فطلبه أستاذه فلم يجده، فرسم بطلبه، وتفرقت المماليك والنقباء في طلبه، فوُجد على تلك الحالة، فأُحْضِر هو والحليق، وقد اشتد غضب سلار، فلما رأى ابن دانيال ذلك تقدم إليه، وقال: يا خَوَنْد أقول لك ما تفعل بهذين؟ قال: قل، قال: احلق دقن هذا القوّاد حسن، واخْص هذا الخادم، فتبسم سلّار وسكن غضبه، وقال: ابن دانيال به نفع في مثل هذه المواضع، كنت عزمت على كذا وكذا، فسرَّي عني.
واجتاز به الأديبان الوراق والجزار، وهو شاب على حانوت يكحل الناس، فقال له أحدهما: خذ عندك رزمة عكاكيز، فقال: قفوا، قودوا لله، وله نوادر كثيرة.
ومن نظمه يمدح الملك الصالح علي ابن السلطان الملك المنصور بقصيدة أولها، قوله:
نعم أخجلت ورد الرياض خدودها … وأزرت برمَّان الغصون نهودها
رداحٌ تجافت أن يلامس متنها … لأردافها عند التثني برودها
هي الظبي لا ما للظباء قوامها … هي البدر لا ما للبدور عقودها
وللبدر منها وجهها ومكانها … وللظبي منها مقلتاها وجيدها
ونافرة عني سأنصب في الكرى … حبائل أحلامٍ لَعلِّي أصيدها
ومن لي بعين تألف الغمض ليلةً … إذا ألفت طيف الخيال رقودها
إلى الله أشكو قلب من لا يريدني … على مقتضى حظّي وقلبي يريدها
ولا ذنب لي إلا تكتم لوعة … أبى الصبر أن تبدو ودمعي يعيدها