للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال: ومدح الملوك، وله مدح كثير في السلطان صلاح الدين يوسف، وفي بنيه: العزيز، والأفضل، والظاهر، ومدح الملك العادل أخا صلاح الدين.

وله "ديوان" شعر (١) كبير، وهو كثير التغزل، وقد أفرد غزله.

قال: ومن حكاياته المشهورة عنه في صباه، أنه كان بآمد يقرأ على البديع الأسطرلابي، وكان البديع يهواه، وكان ابن الساعاتي قد جمع ألف دينار ووضعها في حُبِّ (٢) ماء، فدخل سقاءٌ، فغسل الحُبّ فوجدها، فأخذها، وتفقدها ابن الساعاتي فلم يجدها، فقامت قيامته، وذكر ذلك للبديع، فقال ارتجالًا قوله: شعر

يا من إذا غِبت عنه ليس أنساه … ومن أصافيه وُدِّي حين ألقاه

إن كان مالك ماء الحُبّ ألّفه … كما علمت فماء الحُبّ أفناه

فقال له: هذا وقت هذا؟ فقال: وهل له وقتٌ غيره، وأنا أضمن لك ما فقدته، فأرح فكرك ووفر جَزَعك، ثم خرج البديع، وبحث عن السقاء، واستعان بالجاه والسياسة حتى أعاد له الذي فقد، وشاع الشعر الذي نظمه البديع، فأدرك ابن الساعاتي الخجل، فرحل عن آمد، وصار حيث ما سار يَسمَع البيتين ويزيد خجله، ثم أعارهما أذنًا صماء حتى نُسِيا.

وكان من حذَّاق الشعراء، عذب الألفاظ، حسن الصنعة، ومن شعره قوله:

هزَّ الصبا أعطافه هزّ الصبا … أعطاف غصن البانة الهيفاء

ما ضم صدر ضحىً كطلعته … ولا ينشق عن ثانيه جيب سماء


(١) طبع بتحقيق: أنيس المقدسي سنة ١٩٣٨ م، نشرته كلية العلوم والآداب في الجامعة الأمريكية ببيروت.
(٢) الحُبّ: بضم الحاء، هو الخابية والجرة الضخمة، والجمع حباب وحببة، وما زال اللفظ مستعملًا في العراق، وقيل هو لفظ فارسي معرب. انظر الصحاح: (١/ ١٠٥) حبب.

<<  <  ج: ص:  >  >>