وأنشدني قصائد من شعره سنة ثمان وخمسين، وذكره لي أبو عبد الله محمد بن الحسن بن الملحي، وقال عنه: هو شاعر أهل الدّهر، مالك عنان النظم والنثر، متصرف في معانيه، لاحق بطبقة أبيه، ليس يستقصى وصفه بمعان، ولا يعبّر عن مدحه بلسان، قصائده الطوال لا يفرق بينها وبين قصائد أبي الوليد، ولا ينكر على منشدها نسبتها إلى لبيد، وهي على طرف لسانه بحسن بيانه، غير محتفل بطولها، ولا يتغير لفظه العالي في شيء من فصولها، فالمُقطّعات أحلى من الشهد، وألذُّ من النّوم بعد السهد، في كل معنى غريب وشرح عجيب.
قال: وكتب على حائط دار كان يسكنها بالموصل: شعر
دار سكنت بها كرهًا وما سكنت … روحي إلى شجن فيها ولا سكن
والقبر أستر لي منها وأشبه بي … إن صدّني الدّهر عن عودي إلى وطني
قال: وكتب إلى أخيه شعرًا:
عجنتني الخطوب حينا فلمّا … عجزت أن تطيق منّي مساغا
لفظتني وسالمتني فقد عاد … حذاري أمنا وشغلي فراغا
وأخو الصّبر في الحوادث إن لم … يلقه الحين مدرك ما أراغا