المصريين بورقة بخطّه، يدعو فيها شخصًا إلى مجلسِ أنسٍ، ووصف المجلس، قال: فأخبرني قاضي قوص يونس بن عبد المجيد الأرمنتي أن ذلك الشخص أخذ تلك الورقة، ووضعها في القائمة الأولى من صحاح الجوهري من نسخةٍ كانت عنده في ثماني مجلدات، وأعطى الكتاب للدلَّال، وقال: اعرضه على قاضي القضاة، فأحضره الدلَّال لقاضي القضاة، فأخذ المجلَّد الأول، فوجد الورقة، فعرف خطَّ الجزار، فقرأ الورقة، فأخذها، وقال للدلال: رُدَّ الكتاب لصاحبه هو ما يبيعه، فلما حضر الجزار ناوله الورقة، ففهم، فقال: لا إله إلا الله، هذا خطّي من ثلاثين سنة من أيَّام الصبا، ثم اشتهى الجزَّار أن يعرف ما عند القاضي، وهل تأثَّر بالورقة، فأغفله أيامًا، ثم قال له في أثناء حكايةٍ أنَّ شخصًا كان يصحب قاضي القضاة عماد الدين ابن السُّكَّري، فوقعت له شهادة على شخصٍ، فسابقه ذلك الشخص، وادَّعى عليه أنه استأجره من مدة كذا وكذا، وذكر مدةً بعيدة، ليغنِّيَ له في عرسه بكذا، وقبضَ الأجرة ولم يغنِّ، فأنكروا فانفصلت الخصومة، ثم وقعت الدعوى على المدَّعى المذكور، وشهد ذلك الشاهد، فقال قاضي القضاة تاج الدين: ما صنع ابن السكري؟ فقال له: ما قبلَ شهادته، فقال: ما أنصف صاحبه، فعرف أنه لم يتأثَّر بالورقة.
واتّفق أنه سافر الجزار إلى البلاد، فأكرمه القضاة لأدبه، وصحبته لقاضي القضاة، فكتب إلى قاضي القضاة بعض الأدباء أبياتًا، منها: قوله:
أرسلتَ للنَّاسِ جزَّارًا يذبِّحُهم … وقد غدوا منهُ في حَزّ الحلاقيمِ
وله نوادر؛ منها: أنه كان عند قاضي القضاة وزوجة الورَّاق قد أحضرته، وادَّعت عليه بنحاسٍ، وكلَّموها في حقه، فقالت: ما أخرج إلا بنُحَيِّسِي، فأخذ الجزار بيده، وقال: خذيه واخْرُجي، فتبسم القاضي.