للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فوجب أن يقاس ما عداه عليه إلا ما يعلم بمستقر العادة أن أحدا لا يسكت عليه إلا راضيا به، فلا يختلف في أن السكوت عليه إقرار به (١)

وهذا مقرر كذلك عند الحنابلة، قال ابن قدامة: القاعدة بمقتضى العقل واللغة أن لا ينسب إلى ساكت قول، إلا بدليل يدل على أن سكوته كالقول، حكما، أو حقيقة؛ لأن السكوت عدم محض، والأحكام لا تترتب على العدم، ولا يستفاد منه الأقوال (٢).

وقد أورد العلماء قيدًا مكملًا للقاعدة وهو: لا ينسب إلى ساكت قول، لكن السّكوت في معرض الحاجة إلى البيان بيان.

ومعنى هذا أن القرائن الحالية تجعل السكوت تصريحًا بالوفاق والرضى، بدليل حديث: استئذان البكر (٣).

ولذلك قال الله -سبحانه- عن المنافقين: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾ [التوبة: ٤٦]، وحرم القعود في مجلس يكفر فيه بالله ويستهزأ بآياته، وحذر من هذا الموقف وجعله إقرارًا ونطقًا، قائلًا سبحانه: ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٠].

وجعل السكوت عن المنكر مشاركة فيه يستحق اللعن: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة: ٧٨ - ٧٩].

كما أن العادات جرت على العمل بالقرائن الصحيحة واعتبارها.


(١) البيان والتحصيل (١٤/ ١٩٦).
(٢) شرح مختصر الروضة للطوفي (٣/ ٨٤). موسوعة القواعد الفقهية (١٢/ ٥٠).
(٣) شرح القواعد الفقهية (ص ٣٣٧). موسوعة القواعد الفقهية (٨/ ١٠٩٤).

<<  <   >  >>