ثانيا: قوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] لها أي ما كان من الحسنات والأفعال المشروعة، وعليها أي: كل الأعمال المخالفة للشرع وما يترتب عليه من السيئات والذنوب.
وهذا دليل على تيسير الشريعة، فلا يؤاخذ الله الإنسان إلا بما فعله. وعفا عن الخواطر، كما أن الإنسان لا يتحمل تبعات غيره.
قال القرطبي: قوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ يريد من الحسنات والسيئات. قاله السدي. وجماعة المفسرين لا خلاف بينهم في ذلك، قال ابن عطية. وهو مثل قوله: ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: ١٦٤]. والخواطر ونحوها ليست من كسب الإنسان. وجاءت العبارة في الحسنات ب" لها" من حيث هي مما يفرح المرء بكسبه ويسر بها، فتضاف إلى ملكه. وجاءت في السيئات ب" عليها" من حيث هي أثقال وأوزار ومتحملات صعبة، وهذا، كما تقول: لي مال وعلي دين. وكرر فعل الكسب فخالف بين التصريف حسنا لنمط الكلام، كما قال: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ [الطارق: ١٧]. قال ابن عطية: ويظهر لي في هذا أن الحسنات هي مما تكتسب دون تكلف، إذ كاسبها على جادة أمر الله تعالى ورسم شرعه، والسيئات تكتسب ببناء المبالغة، إذا كاسبها يتكلف في أمرها خرق حجاب نهي الله تعالى ويتخطاه إليها، فيحسن في الآية مجيء التصريفين إحرازا، لهذا المعنى (١)