للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصحابة أقدموا على ذبحها وطبخها كسائر الحيوان من قبل أن يستأمروا، مع توفر دواعيهم على السؤال عما يشكل» (١).

والعيني: «ولا شك أن الحرمة متأخرة عن الإباحة؛ لأن الأصل في الأشياء الإباحة، والتحريم عارض» (٢).

الإمام الرازي: المسألة الثالثة: اعلم أن هذه الآية أصل كبير معتبر في الشرع، وهو أن الأصل في المضار أن لا تكون مشروعة، ويدل عليه هذه الآية؛ فإنه تعالى قال: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] ويدل عليه أيضًا قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]، ويدل عليه من الأحاديث:

قوله : «لا ضرر، ولا ضرار في الإسلام».

ويدل عليه أيضًا أن دفع الضرر مستحسن في العقول، فوجب أن يكون الأمر كذلك في الشرع؛ لقوله : «ما رآه المسلمون حسنا، فهو عند الله حسن»، قال الزرقاني في مختصر المقاصد: "حسن موقوف".

وأما بيان أن الأصل في المنافع الإباحة فوجوه: أحدها: قوله تعالى: ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: ٢٩] وثانيها: قوله: ﴿أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ [المائدة: ٤]، وقد بينا أن المراد من الطيبات المستلذات والأشياء التي ينتفع بها، وإذا ثبت هذان الأصلان فعند هذا قال نفاة القياس: لا حاجة البتة أصلًا إلى القياس في الشرع؛ لأن كل حادثة تقع فحكمها المفصل إن كان مذكورًا في الكتاب، والسنة فذاك هو المراد، وإن لم يكن كذلك، فإن كان من باب المضار حرمناه بالدلائل الدالة على أن الأصل


(١) فتح الباري لابن حجر (٩/ ٦٥٦).
(٢) عمدة القاري شرح صحيح البخاري العينى (٥/ ٤٩).

<<  <   >  >>