للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعيد؛ لأن الفكر والنظر ليسا جماعا، ولا مباشرة وإن أديا إلى الإنزال فمجرد الإنزال ليس سببًا للإفساد، كما في النائم، وفيمن فكر عند الحنابلة فأنزل فلا شيء عليه؛ لعدم الفعل.

ونجد المالكية يفرقون بين النظر مع الاستدامة وعدمها، فمع عدم الاستدامة يقضي بدون كفارة.

ومع الاستدامة إن كانت عادته الإنزال بمثل هذا فيقضي ويكفر (١).

فانظر كيف جعلوا الاستدامة مع معلومية العادة بالإنزال، كالجماع في الكفارة.

وهناك أقيسة بعيدة كتعليل الحنابلة رواية مقابل المشهور عن أحمد فيمن كرر النظر فأمذى أنه يفطر قالوا؛ لأنه خارج بسبب الشهوة فأشبه المني.

قلت: لو كان هذا القياس صحيحًا لصح في النائم إن احتلم؛ لأنه خارج بسبب الشهوة، لذلك أطلق الحنفية، والشافعية عدم إفساد الصوم ولو أنزل؛ لأنه بلا فعل أشبه الاحتلام، ومن أنزل بالفكر كذلك عندهم فلا شيء عليه (٢).

وعلى كل الأحوال فإن المنصوص هو الجماع وكفارته معلومة فإلحاق غيره به ضعيف من أوجه:

منها أن الكفارات بمقاديرها وأعدادها تعبد محض غير معقول المعنى، والقياس إنما هو في معقول المعنى، ومن حمل عباد الله كفارة شرعها الله لأمر معين فجعلها لأمر آخر فقد شق على الخلق بلا حجة ظاهرة ولا نص ولا إجماع ولا قياس جلي قوي.

ومنها أن القول ببطلان صوم من استمنى أو باشر فأنزل أو تفكر فأنزل


(١) الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (١/ ٥٢٩).
(٢) الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار (ص ١٤٧) جاء في: حاشيتي قليوبي وعميرة (٢/ ٧٤).

<<  <   >  >>