الأول: ما اتفقت عليه القواميس العربية في تحديد الأكل والشرب.
ولم ينص قاموس حرفا واحدا أن الطعنة النافذة أو إدخال الاصبع في قبل أو دبر أو شم البخور يشمله معنى الأكل والشرب.
الثاني: لم ينقل عن أحد من الصحابة قول ذلك، ولا الإفتاء به وهم أهل اللغة. وما ظهر هذا إلا بعد جيل الصحابة والتابعين، وقد تتبعت هذا طويلا من زمن الصحابة فمن بعدهم لأرى تطور الفتوى وتوسعها في المفطرات فما وقفت في عصرهم على ذلك كما سيأتي. إذن فلم تثبت النصوص ذلك، ولا دلالاتها، ولا الإجماع، ولا عمل الصحابة، ولم يبق سوى القياس.
والقياس هنا من النوع الخفي، ومنه خفي موغل في الخفاء، فقياس البخور على الأكل والشرب غريب جدًا، وقياس دخان القدر، وقياس من وضع على رأسه الحناء فوجد طعمه في حلقه.
ومن القياس الخفي من بلع حديدًا أو حصاة أفطر.
ومنه قياس الكحل على الأكل والشرب؛ ولضعفه وخفائه اختلف فيه بعد زمن الصحابة والتابعين، ومقصودنا هنا التمثيل لا تحقيق الأقوال، فإن لها فصولًا مستقلة ستأتي (١)، وسنبين هناك النقول من الصحابة إلى التابعين إلى المذاهب الخمسة وغيرها.
(١) المغني لابن قدامة - ت التركي (٤/ ٣٥٠) قال ابن قدامة: وأجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب لما يتغذى به، فأما ما لا يتغذى به، فعامة أهل العلم على أن الفطر يحصل به. وقال الحسن بن صالح: لا يفطر بما ليس بطعام ولا شراب، وحكى عن أبى طلحة الأنصاري، أنه كان يأكل البرد في الصوم، ويقول: ليس بطعام ولا شراب. ولعل من يذهب إلى ذلك يحتج بأن الكتاب والسنة إنما حرما الأكل والشرب، فما عداهما يبقى على أصل الإباحة. ولنا، دلالة الكتاب والسنة على تحريم الأكل والشرب على العموم، فيدخل فيه محل النزاع، ولم يثبت عندنا ما نقل عن أبى طلحة، فلا يعد خلافا انتهى كلامه ومن المخالفين ابن حزم الظاهري ولم يصح في المسألة إجماع إلا في ما يتغذى به.