وباعث الفقهاء هو تحقيق مقصود الشرع في الكيفية لهذه العبادة فكان تحديد محل الإفطار جزء من هذه الماهية الضرورية.
وعلى ما تقدم:
فمن ألحق بالجماع مثلًا الإنزال بنظر أو تفكر لم يلحقه من دلالة اللغة الظاهرة؛ لأن الجماع معروف ما هو، ولم يلحقه بدلالة لفظ الرفث في الآية الشامل للجماع ومقدماته؛ لأن الإنزال بنظر أو تفكر غير ذلك، وإنما ألحقه بالمقاصد التي تدل عليها هذه اللفظة.
لأن من أنزل المني بشهوة عمدًا بفكر أو بنظر، أو مس عضوه، خالف مقصود الشرع من ترك الشهوة.
لأن النهي عن الرفث إلى النساء يشمل من حيث اللفظ الجماع ومقدماته، لولا أن السنة خصت القبلة ونحوها فبقي الجماع بالإجماع. فما حكم من أنزل بغير جماع عمدًا؟
هنا يأتي دور المقاصد في تحديد الحكم.
لأن المقصد من النهي عن الرفث هو ترك الشهوة المتعلقة بالزوجة، سوى ما رخص من القبلة ونحوها، فمن أنزل بشهوة عمدًا فقد خالف مقصود التشريع.
وعلى هذا بنى الفقهاء فتاواهم. وخالف ابن حزم؛ لأنه رأى أن الإنزال بملاعبة الزوجة، أو النظر إليها مباح؛ لأن النهي عن الجماع فقط.
ووردت السنة باستثناء القبلة ونحوها، فكان ما ترتب على هذا الاستثناء مباح. هذا حاصل كلامه فلم يلاحظ المقصود.
وهذا المقصود منصوص عليه في الحديث: ﴿يترك طعامه وشرابه من أجلى﴾ (١).
والخلاف في فهم مقصود الشرع ليس جديدًا، أو بدعًا من القول؛ بل
(١) أخرجه البخاري في كتاب الصيام، حديث رقم: (١٨٩٤)، (٢/ ٢٤)