للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الاختلاف راجع إلى ماذا تفيد المداومة فمن عرف السنة بأنها ما داوم عليها قال بذلك، ومن رأى زيادة اختصاص شهر رمضان والعشر الأواخر قال إنه سنة مؤكدة فيه.

جاء في المجموع: أما الحكم فالاعتكاف سنة بالإجماع، ولا يجب إلا بالنذر بالإجماع ويستحب الإكثار منه ويستحب ويتأكد استحبابه في العشر الأواخر من شهر رمضان (١).

ولا يجب إلا في موضعين:

الأول: بالنذر بلا خلاف، قال ابن قدامة: معلقا على قول الخرقي: والاعتكاف سنة، إلا أن يكون نذرا، فيلزم الوفاء به.

لا خلاف في هذه الجملة بحمد الله. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضا، إلا أن يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذرا، فيجب عليه. ومما يدل على أنه سنة، فعل النبي ، ومداومته عليه، تقربا إلى الله تعالى، وطلبا لثوابه، واعتكاف أزواجه معه وبعده، ويدل على أنه غير واجب أن أصحابه لم يعتكفوا، ولا أمرهم النبي به، إلا من أراده.، وقال : ﴿من أراد أن يعتكف، فليعتكف العشر الأواخر﴾ (٢). ولو كان واجبا لما علقه بالإرادة. وأما إذا نذره، فيلزمه؛ لقول


(١) المجموع شرح المهذب (٦/ ٤٧٥).
(٢) قلت هي رواية مسلم: صحيح مسلم (٣/ ١٧١ ط التركية)
عن أبي سعيد الخدري قال: «إن رسول الله اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير، قال: فأخذ الحصير
بيده فنحاها في ناحية القبة، ثم أطلع رأسه فكلم الناس، فدنوا منه، فقال: إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت، فقيل لي: إنها في العشر الأواخر فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف، فاعتكف الناس معه، قال: وإني أربئتها ليلة وتر، وإني أسجد صبيحتها في طين وماء، فأصبح من ليلة إحدى وعشرين، وقد قام إلى الصبح فمطرت السماء، فوكف المسجد فأبصرت الطين والماء، فخرج حين فرغ من صلاة الصبح، وجبينه وروثة أنفه فيهما الطين والماء، وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر»

<<  <   >  >>