كما أن قولهم ذلك مخالف للعمل، فإن الصحابة أخرجوها في زمنهم ولم يكن جميعهم غنيًا غنى الزكاة.
كما أن ما استدلوا به معارض بما أخرجه ابن خزيمة عن سهل بن الحنظلية قال: قال رسول الله ﷺ: ﴿من سأل مسألة، وهو يجد عنها غناء فإنما يستكثر من النار﴾، قيل: يا رسول الله، وما الغناء الذي لا ينبغي معه المسألة قال: ﴿أن يكون له شبع يوم وليلة، أو ليلة ويوم﴾ (١). قال أبو زكريا سنده صحيح. فهذا بين أن الغنى له إطلاقات متعددة.
والحاصل أن الخلاف بين الحنفية والجمهور قائم على التعارض بين الكليات الكبرى في التكليف بالوسع وبين كلية في باب معين ﴿لا صدقة إلا عن ظهر غنى﴾، كما أنه راجع كذلك في تفسير النص من حيث الماهية التي يطلق عليها الغنى. فالجمهور عملوا بحديث ﴿أن يكون له شبع يوم وليلة، أو ليلة ويوم﴾ والحنفية عملوا بحديث ﴿لا صدقة إلا عن ظهر غنى﴾ والغنى هو ملك النصاب.
(١) صحيح ابن خزيمة (٤/ ٧٩). سنن أبي داود (٢/ ٣٥ ط مع عون المعبود). قال أبو داود: "حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، نا مسكين، نا محمد بن المهاجر، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي كبشة السلولي، نا سهل ابن الحنظلية قال: قدم على رسول الله ﷺ عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس فسألاه، فأمر لهما بما سألا، وأمر معاوية فكتب لهما بما سألا، فأما الأقرع فأخذ كتابه، فلفه في عمامته، وانطلق، وأما عيينة فأخذ كتابه، وأتى النبي ﷺ مكانه، فقال: يا محمد أتراني حاملا إلى قومي كتابا لا أدري ما فيه؟ كصحيفة المتلمس فأخبر معاوية بقوله رسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من النار وقال النفيلي في موضع آخر: من جمر جهنم فقالوا: يا رسول الله، وما يغنيه؟ وقال النفيلي في موضع آخر: وما الغنى الذي لا ينبغي معه المسألة؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه وقال النفيلي في موضع آخر: أن يكون له شبع يوم وليلة أو ليلة ويوم وكان حدثنا به مختصرا على هذه الألفاظ التي ذكرت".