والذين استثنوا التقطير قالوا: التقطير لا ينزل إلى جوفه وإنما يرشح رشحا فالداخل إلى إحليله كالداخل إلى فمه وأنفه. والذين استثنوا الكحل قالوا: العين ليست كالقبل والدبر ولكن هي تشرب الكحل كما يشرب الجسم الدهن والماء. والذين قالوا الكحل يفطر قالوا: إنه ينفذ إلى داخله حتى يتنخمه الصائم لأن في داخل العين منفذا إلى داخل الحلق، وإذا كان عمدتهم هذه الأقيسة ونحوها لم يجز إفساد الصوم بمثل هذه الأقيسة لوجوه: أحدها أن القياس وإن كان حجة إذا اعتبرت شروط صحته فقد قلنا في الأصول: إن الأحكام الشرعية كلها بينتها النصوص أيضا وإن دل القياس الصحيح على مثل ما دل عليه النص دلالة خفية فإذا علمنا بأن الرسول لم يحرم الشيء ولم يوجبه علمنا أنه ليس بحرام ولا واجب. وأن القياس المثبت لوجوبه وتحريمه فاسد ونحن نعلم أنه ليس في الكتاب والسنة ما يدل على الإفطار بهذه الأشياء التي ذكرها بعض أهل الفقه فعلمنا أنها ليست مفطرة. الثاني أن الأحكام التي تحتاج الأمة إلى معرفتها لا بد أن يبينها الرسول ﷺ بيانًا عامًا ولا بد أن تنقلها الأمة فإذا انتفى هذا علم أن هذا ليس من دينه.