للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الحنفية: "ومن استأجر حمالًا يحمل له الخمر فله الأجر في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف، ومحمد لا أجر له، كذا ذكر في الأصل، وذكر في الجامع الصغير أنه يطيب له الأجر في قول أبي حنيفة، وعندهما يكره لهما أن هذه إجارة على المعصية؛ لأن حمل الخمر معصية لكونه إعانة على المعصية، وقد قال الله ﷿ ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: ٢] ولهذا لعن الله تعالى عشرة: منهم حاملها والمحمول إليه، ولأبي حنيفة إن نفس الحمل ليس بمعصية، بدليل أن حملها للإراقة والتخليل مباح، وكذا ليس بسبب للمعصية، وهو الشرب؛ لأن ذلك يحصل بفعل فاعل مختار وليس الحمل من ضرورات الشرب فكانت سببًا محضًا، فلا حكم له كعصر العنب وقطفه، والحديث محمول على الحمل بنية الشرب، وبه نقول: إن ذلك معصية، ويكره أكل أجرته" (١).

أما المالكية ففي المدونة نقل المنع الشديد عن مالك وابن القاسم وابن وهب.

جاء في المدونة "قلت: أرأيت لو أن مسلمًا آجر نفسه من نصراني يرعى له خنازير فرعاها له، فأراد أخذ إجارته؟ قال: قال مالك في النصراني يبيع من المسلم خمرًا: إن النصراني يضرب على بيعه الخمر من مسلم إذا كان النصراني يعرف أنه مسلم فباعه، وهو يعرف أنه مسلم أدبًا للنصراني، قال: وأرى أن يؤخذ الثمن فيتصدق به على المساكين أدبًا للنصراني وتكسر الخمر في يد المسلم.

قال ابن القاسم: وأنا أرى أن تؤخذ الإجارة من النصراني فيتصدق بها على المساكين، ولا يعطاها هذا المسلم أدبًا لهذا المسلم، ولأن الإجارة أيضًا لا تحل لهذا المسلم إذا كانت إجارته من رعي الخنازير، فأرى أن


(١) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٤/ ١٩٠).

<<  <   >  >>